المسجد. وكذلك قد يؤدي الإلف وكثرة اللقاء بين هذه المجموعة إلى أن يتعرّف كل من أفرادها على الآخرين فتزداد الشركة الفكرية بينهم, وتنشأ بينهم أخوة في الله, ووحدة في الآراء تعتمد إلى حد كبير على الجوِّ السائد في المسجد, وعلى تعاليم إمام المسجد ودروسه ونظرته إلى المسائل الاجتماعية والخلقية. فإذا سمعت أحد رواد هذا المسجد يقول: "فسد الزمان" فلا يبتغي أن نقف في فهم معنى هذه العبارة على مجرّد تحليل "المقال", فتكتفي بظاهر النصِّ, وإنما ينبغي أن نتعدَّى ذلك إلى اعتبار "المقام" الذي يكشف لنا عن ضوء جديد يضئ لنا طريق تحليل المعنى, فإذا عرفنا أن هذا القائل يغشى مسجدًا بعينه, ويتأثّر بالجوِّ الفكري السائد لدى روَّاد هذ االمسجد, فلربما فهمنا في النهاية أن الزمان لم يفسد حقيقة إلّا في رأي هذا الرجل المتزمِّت في دينه ونظرته إلى الأمور. ومثل ذلك يقال في انتماء الفرد إلى طريقة صوفية ما, فإذا سمعت هذا الفرد يقول: "سمعت هاتفًا يقول...." فضع المقال في ضوء المقام وافهم المعنى بحسبه.
وينتمي الفرد إلى قبيلة أو قرية أو مدينة أوحي من مدينة, فيكتسب ما قد يكون هناك من معيارية سلوكية أو تعبيرية أو عرفية سائدة في القبيلة أو القرية أو المدينة أو الحي, فيخضع ما يقوله وما يفعله في المواقف المختلفة لهذه المعيارية, مختلفًا في ذلك عن أبناء القبائل والقرى والمدن الأخرى؛ ففي القاهرة مثلًا: يختلف أبناء حيّ الحسينية في كلامهم ونظرتهم إلى المواقف المختلفة في التعامل مع الآخرين عن أبناء الحلمية مثلًا, ونجد مثل هذا الاختلاف بين القريتين المتجاورتين من قرى الريف. وإذا قرأت رسالة أرسل بها أحد أبناء الريف لقريب له نازح عن القرية, فرأيت في الرسالة: "أفراد الأسرة يقرئونك السلام" فاعلم أنه يرسل إلى قريبه تحية ما يربو على ثلاثمائة من الآدميين؛ لأن نظام الأسرة في الريف يجمع بين عدد كبير من الأفراد يشتركون في الانتساب إلى جدٍّ أعلى توفِّي من نحو مائتي عام تقريبًا, وتشتمل هذه الأسرة الريفية على خلايا أسرية تتكوّن كل خلية منها من أب وأم وأولادهما. أما إذا قرأت هذه العبارة نفسها في رسالة من أحد أبناء المدينة فاعلم أن المقصود بالأسرة هنا رجل وامرأة وأطفالهما, وقد يكون مجموع