الاستشهاد فمن ذلك استشهاده بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} ولقد قال عمر عند سماعه هذا الاستشهاد ما معناه: والله لكأني لم أسمع هذه الآية من قبل. ومن ذلك أيضًا, ولعله حدث في اليوم نفسه في اجتماع السقيفة استشهاده أمام الأنصار بقول طفيل الغنوي:
جزى الله عنا جعفرًا حين أزلفت ... بنا نعلنا في الخافقين فزلت
أبو أن يملّونا ولو أن أمنا ... تلافي الذي يلقون منا لملت
همو أسكنونا في ظلال بيوتهم ... ظلال بيوت أدفأت وأظلت
ولقد كان لكلٍّ من هذين الاستشهادين أثره الحاسم في إصلاح مقامين من أخطر مقامات الفتنة في التاريخ الإسلامي.
وقد يستخدم النص الواحد في الاقتباس بحيث يرد جزء منه على جزئه الآخر كالذي يروى عن أحد علماء الأزهر, وكان بينه وبين زميل له ميل إلى المنافرة, فدخل المسجد الأزهر ذات يوم من أيام الشتاء فوجد زميله مستلقيًا تحت دفء الشمس وقد غطَّى وجهه بمنديلٍ فظنَّه نائمًا فوقف عنده وقال: "الفتنة نائمة" فاعتدل زميله من رقدته وقد تصنَّع صورة الذي أوقظ من نومه وقال: "لعن الله من أيقظها" فنرى من ذلك أن عبارة الحديث قد انقسمت إلى قسمين ردَّ ثانيهما على أولهما. والمغزى من وراء كل ذلك أن من المقال ما يتَّصف بصفات معينة أو ما تتوافر له مزايا معينة تجعله صالحًا للاستحضار في المقامات التي تشبه مقامه الأصلي الذي قيل فيه, فيصبح المقال القديم جزءًا من المقام الجديد, فيدخل في تحليل هذا المقام الجديد. ولقد كنَّا نسمع ونحن بعد طلبة في دار العلوم أن قبيلتين عراقيتين ذواتي آصرة حدث بينهما نزاع, فكان ممن ندب للصلح بينهما أستاذنا المرحوم الشاعر علي الجارم وكان وكيل دار العلوم في ذلك الحين, وقد سمعنا أنه نجح نجاحًا عظيمًا حين استشهد بقول البحتري: