المعاني "وإن تعددت" معجميًّا. ويتعلم في البيت وفي المدرسة عن طريق المعيارية المتزمتة فيهما كيف يطابق الاستعمال الاجتماعي سواء من ناحية المبنى أو من ناحية المعنى. فأما من ناحية المبنى: فإن الفرد يطلب إليه في سبيل المطابقة الاجتماعية أن ينسى كل شيء حتى ميله الذي كان له في البداية إلى أن يقيس في صياغة الكلمات قياسًا صرفيًّا مطردًا يتعارض أحيانًا مع السماع, فيعلمونه كيف يقول حمراء لا أحمرة, وخضراء لا أخضرة, وسوداء لا أسودة, وهلم جرا. وأمَّا من جهة المعنى: فإنه يطلب إليه أن يحافظ على الرابطة العرفية بين الكلمة وبين معناها, فلا يستعمل الكلمة بمعنى شخصي فردي غير عرفي؛ لأنه لو فعل ذلك لما فهمه أحد ممن يسمعونه لانفكاك الرابطة في أذهانهم بين اللفظ المسموع وبين المعنى المقصود, وقديمًا لقي الشاعر عقوبته الاجتماعية فسخر الناس منه عندما استعمل معاني فردية, وقالوا في السخرية منه إن "المعنى في بطن الشاعر".
حقًّا إن الباب ليس موصدًا أمام تصدي الأفراد لارتجال الكلمات للمعاني, ولتحويل الدلالة من معنى إلى آخر, والأفراد يفعلون ذلك في كل زمان ومكان, لا يحد حرتهم في هذا المجال شيء ما داموا قادرين على ممارسة هذه اللعبة, ولكن النشاط الفردي شيء والقبول الاجتماعي لما أوجده الفرد شيء آخر. فالشرط الأساسي لِأَنْ يصبح هذا الصوغ الجديد أو الاستعمال الجديد الذي جاء به الفرد جزءًا من مفردات اللغة هو أن يتقبَّله المجتمع ويشيع استعماله, فيكتسب العرفية الضرورية لكلمات اللغة. لقد جاءنا مع التنمية وتشعب أنواع النشاط في المجتمع وغزارة المادة المكتوبة والمسموعة فيما بعد ثورة 1952 حشد هائل من الكلمات الجديدة التي بدأت كل واحدة منها على لسان فرد من الكتاب أو المتحدثين, فتقبلها المجتمع وأعطاها بالرواج عرفية للاستعمال فأصبحت جزءًا من اللغة, ومن شأء أن يرى شاهدًا على ذلك فلير مقالي "دور اللغة في مجتمعنا المعاصر", وقد نشر بمجلة المجلة في عدد شهر يونية سنة 1966, بل إنني إذا لم تخني الذاكرة قد لعبت هذه اللعبة وأنا بعد طالب في مدرسة دار العلوم العليا في العام 1944-1945. فلقد كانت كلمة "إشاعة" قبل ذلك التاريخ على قدر علمي هي الكلمة