ولا باب نحوي من لغة إلى لغة أخرى في العادة, والملاحظ أن مجال الاقتراض بين اللغات هي الكلمات المفردة وهي مكونات المعجم. ولقد اشتملت اللغة العربية منذ الزمن القديم في العصر الجاهلي على مفردات مستعارة من لغات أخرى في الشرق والغرب؛ كالسكر من السنسكريتية, والإبريسيم والاستبرق من الهلوية, والإقليم والقسطاس والدينار من الإغريقية, ولكن العربية الفصحى لم تستعر من واحدة من هذه اللغات قاعدة ولا طريقة من طرق التركيب ولا أداة ولا جزءًا آخر من أجزاء أنظمتها. ومعنى ذلك كله أن المعجم لا يمكن لهذا السبب أن يوصف بأنه نظام.
هذه فروق ثلاثة بين الأنظمة اللغوية وبين المعجم, وهناك أمر آخر يرجع إلى الوظيفة الاجتماعية للغة في عمومها؛ فالمعروف أن لغة كل قوم إنما تسمي تجاربهم الاجتماعية فتضع للمسميات اسمًا, وتضع للأعمال أفعالًا, وتضع للعلاقات فيما بينهما أدوات تربط بين الكلمات في السياق. ويتم كل ذلك في حدود العرف المحلي لهؤلاء القوم, ومن ثَمَّ تختلف المفردات من لغة إلى لغة؛ لأن تعارف جماعة ما لا يتشابه بالضرورة مع تعارف الجماعة الأخرى. زد على ذلك أن الجماعات تختلف بيئاتها فتختلف مسمياتها, فإذا كانت بيئة ما تسمي "الجمل" فإن بيئة أخرى تسمي "اللاما", وبيئة ثالثة تسمي "الفيل", وكذلك قد تسمي بيئة من البيئات طعامًا لا يكون معروفًا للبيئة الأخرى, ومثل الطعام والعادة والآلة والتقليد وأنواع التجارب المختلفة؛ ومعنى هذا أن أية لغة من لغات العالم لا يتصور لها أن تسمي التجارب الإنسانية جميعًا؛ لأن اللغة محلية, ولأن أصحابها لا يعرفون جميع التجارب الإنسانية, فحتى لو تصورنا أن اللغة في عمومها تنتظم التجارب الإنسانية كلها في نظام معين "وهو أمر غير ممكن لتوالي حدوث تجارب إنسانية جديدة باستمرار", فإن أية لغة محلية لا يمكن أن تنتظم هذه التجارب جميعًا.
وإذا لم يكن المعجم كما رأينا نظامًا من أنظمة اللغة؛ لأنه لا تتوافر له مقومات النظام فلا بُدَّ أن يكون منهج المعجم متجهًا إلى دراسة "قائمة" من الكلمات تشتمل على جميع ما يستعمله المجتمع اللغوي من مفردات.