ومن طبيعة هذه القائمة الضخمة التي هي في حوزة المجتمع في عمومه ألا يحيط بها فرد واحد من أفراد هذا المجتمع مهما بلغ حرصه على استقصائها؛ لأن ظاهرتي الارتجال والتوليد وهما مستمرتان لا بُدَّ أن تقفا به دون الإحاطة بالكلمات المرتجلة والمولَّدة التي هي في طريقها إلى الشيوع العرفي. ولكن أفراد المجتمع يتوزعون مفردات هذه القائمة فيما بينهم؛ كل بحسب بيئته وثقافته وحياته الاجتماعية, فيستقل كل فرد بطائفة منها يعرف معانيها معرفة عامة, ويعرف ما لبعض هذه المعاني من ظلال دقيقة مختلفة. أما ما في أيدي الآخرين من هذه القائمة فلا يتفق ما لدى كل فرد منم إلّا مع بعض ما لدى الفرد الذي كنا نتكلم عنه, ويبقى بعد ذلك أكثر ما في أيديهم مجهولًا بالنسبة لهذا الفرد جهلًا لا يزيله إلّا أن يعنى المتخصصون من هذا المجتمع بتدوين كل مفردات اللغة ومعانيها في صورة معجم ليرجع إليها هذا وذاك من الراغبين في الاطلاع على هذه المفردات والمعاني. لهذا كان تدوين المعجم ضرروة لغوية لكل مجتمع متقدم, وكان لا بُدَّ أن يتم تدوين المعاجم على صورة تمكن كل فرد يطلع عليها أن يعرف الكثير من المعلومات التي توضح ما يحيط بمادتها الأساسية وهي الكلمة.
ولكن ما الكلمة؟ أمن السهل تعريفها؟ أَوَيُمكن أن نحددها تحديدًا دقيقًا في السياق كلما أردنا ذلك, فنقول: هنا تبدأ وهنا تنتهي؟ أنعتبر المباني الصرفية التي تتحقق بها الظواهر الموقعية وكذلك اللواصق الصرفية أجزاء كلمات أم نعتبرها كلمات مستقلة؟ كل أولئك قضايا لا بُدَّ من الإجابة عليها قبل أن نتناول طريقة شرح المعنى المعجمي وطبيعة هذا المعنى.
سبق أن فرَّقنا بين اللغة وبين الكلام, وقلنا: إن اللغة مجموعة من الأنظمة والعلاقات, وإن الكلام هو النطق أو الكتابة بحسب قواعد هذه الأنظمة والعلاقات. ونحب أن نضيف هنا أن المعجم ليس نظامًا, ولكنه مع ذلك جزء من اللغة, ومثل الأنظمة بعلاقاتها ومثل الكلمات كمثل قواعد الشطرنج؛ لأن قواعد الشطرنج نظام ينتظمه جدول "إن صح هذا التعبير" قوامه المربعات ذات العلاقات فيما بينها, فالمربعان قد يختلفان من حيث العلاقة الرأسية بأن يكون كل منهما في صف رأسي مختلف عن الآخر، وقد يختلفان من حيث علاقة