هي اشتراكها في أصول المادة, ولكن هذه العلاقة الاشتقاقية تختلف عمَّا نقصده من العلاقة العضوية؛ لأن العلاقة العضوية لأية وحدة من وحدات النظام تدخلها في علاقة خلافية مع بقية الوحدات جميعًا أيًّا كان موضعها من النظام, فإذا نظرنا مثلًا إلى جدول الصرف وأخذنا وحدة من وحداته التقسيمية كالاسم مثلًا, وجدنا هذا الاسم يختلف عن كل ما عداه, وقد بينَّا ذلك تحت عنوان أقسام الكلم العربي في موضعه من هذا الكتاب, فالاسم يختلف عن الصفة باعتبارات, وعن الفعل باعتبارات أخرى, وعن الضمير والخالفة والظرف والأداة كذلك، وكل ذلك في إطار النظام الصرفي. وكذلك لو نظرنا في المعاني التصريفية كالتكلم أو الخطاب والغيبة, أو الإفراد والتثنية والجمع, أو التذكير والتأنيث, وجدنا أن كل معنى من هذه المعاني كله مكانه في النظام لا يتركه ولا يطغي على أماكن المعاني الأخرى. فالتكلم والخطاب يتصلان بالأفعال والضمائر, ولكن الغيبة تضم إن هذين الأسماء والصفات؛ لأن الاسم والصفة في قوة ضمير الغيبة كما يقول النحاة, ولذلك يسند الفعل إليهما على الصورة التي يسند بها إلى ضمير الغيبة. ذلك هو ما نقصده بالعلاقات العضوية بين وحدات النظام. والمعجم ليس كذلك ومن ثَمَّ تنتفي عن كلماته سمة العلاقات العضوية فلا يكون نظامًا.
والأمر الثاني هو صلاحية أيّ نظام لغوي للجدولة, وقد رأينا كيف أمكن وضع النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي للعربية الفصحى في صورة جداول ذات أبعاد رأسية وأخرى أفقية تتشابك فيها العلاقات, وتقوم القيم الخلافية في كل جدول حارسًا أمينًا لأمن اللبس في النظام والسياق معًا. وواضح أن المعجم لا يمكن أن يوضع في صورة جدول؛ لأنه كما قلنا تنقصه العلاقات العضوية بين مكوناته, ومن شروط إمكان أي جدول أن يوضع أن يكون بين مكوناته هذه العلاقات العضوية كما ذكرنا. وإذا كان المعجم غير صالح للجدولة فلا يمكن أن يكون نظامًا لغويًّا.
والأمر الثالث الذي تتميز به الأنظمة اللغوية هو صعوبة الاستعارة بالنسبة لوحداتها من لغة إلى أخرى, فلا تستعار أداة ولا رتبة ولا صيغة