لقد رأينا أن اللغة العربية الفصحى مكوَّنة من أنظمة لغوية هي النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي للغة, وحين نسمي أفكارًا مركبة ما نظامًا فلا بُدَّ أن تكون بين بعضها وبعض علاقات عضوية معينة, وكذلك أوجه خلاف بين كل واحدة منها وبين الأخرى؛ بحيث تؤدي كل واحدة منهما في النظام وظيفة تختلف عمَّا تؤديه الأخرى, فللنظام إذًا تكامل عضوي واكتمال وظيفي يجعله جامعًا مانعًا بحيث يصعب أن يستخرج منه شيء أو أن يضاف إليه شيء, ومن طبيعة النظام اللغوي أن يصلح "للجدولة" -إن صح هذا التعبير- فيكون له من معانيه بعد رأسي وبعد آخر أفقي, ويكون من التقاء كل معنى في البعد الرأسي بمعنى آخر في البعد الأفقي وحدة معنية من وحدات النظام. ولما كان طابع النظام اللغوي عضويًّا إلى هذا الحد أصبح من الصعب على اللغات أن تستعير الواحدة منها جزءًا من نظام الأخرى, ومن ثَمَّ لم نجد لغة تستعير من لغة أخرى أحد أصواتها أو ظاهرة سياقية من ظواهرها أو صيغة صرفية أو حرف زيادة أو ملحقًا من ملحقاتها, أو علاقة نحوية من علاقاتها.
والسؤال الذي ينبغي أن نعرف إجابته الآن هو: "هل يمكن أن يكون المعجم نظامًا من أنظمة اللغة كما كان النظام الصوتي والصرفي والنحوي؟ " للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن ننظر في الأمور الثلاثة التي نسبناها إلى أنظمة اللغة لنرى في كل أمر ما إذا كان يتحقق أولًا يتحقق المعجم. وهذه الأمور الثلاثة هي:
أ- العلاقات العضوية والقيم الخلافية بين المكونات.
ب- الصلاحية للجدولة "أي أن يوضع في صورة جدول".
جـ- عدم إمكان الاستعارة بين لغة ولغة.
أما من حيث العلاقات العضوية فليس بين كلمات المعجم أيّ علاقة عضوية, وقد يكون بين كل طائفة من هذه الكلمات علاقة اشتقاقية معنية