الحمد لله الذي خلق النوى والحب، وخلق الفاكهة والأب، وأبغض وكره وأحب، وأمرض وداوى وطب، أنشأ الحيوان بقدرته فدب، ثم حامى عنه بلطفه وذب، ورباه فأحسن تدبيره حين رب، فالعجب لمربوب ينكر الرب، عم أنعامه في البحر الحوت وفي البر الضب، اختار محمداً فشرح صدره فلب، وصبت المحبة في قلبه فانصب الصب، وكان يسمى بالأمين صغيراً وبعدما شب، ثم اجتمع له المراد بالنصر واستتب، وقهر الأعداء حتى ألبسهم الزناد والقب، وقمع كل من يتجرع الخنق فاختنق حين عب، فقيل لنبينا يا حليم نحن نجيب عنك الخب (تَبَّت يَدا أبِي لَهبٍ وَتَبّ) .
الحمد لله ربي عقائد الموحدين فعرفوه ربا، وصفى قلوب المحبين فصب معرفته في قلب الصب به صبا، وابتعث محمداً فجعله خير من أقلته الغبراء وأظلته الجربا، وحفظ دينه بخلافه الأربعة فكم ردوا إليه من تأبى، ثم شرحه بأربعة أئمة بثوه شرقاً غرباً، أبو حنيفة ومالك والشافعي وقد أربى، وأحمد الذي عز ضريبه لما حمل لنصر القرآن ضربا، ورفعوا الظلمة ونفعوا الأمة ودفعوا الغمة وكفوا حربا (وكانَ وراءَهم مَلِكُ يأخُذُ كُلَّ سَفينةٍ غَصبا) .
الحمد لله الذي يختار من يشاء ويجتبي، فمن المختارين يوسف النبي صاح الهوى يا زليخا راودي والعبي، فقاوم الشهوة مقاومة الفطن لا الغبي، فصوتت ميزان شهوات زليخا بذلك الصبي، جز فقد أطفأ نورك لهبي، وكان القميص أصدق شاهد أعلى الأمر المختبي (اَذهَبُوا بِقَميصِي هَذا فألقُوهُ عَلى وَجهِ أبِي) أحمد إذا ظفرني بالمعاني قبل طلبي وأصلي على رسوله الأمي العربي، وعلى صاحبه أبي بكر أبي، وعلى عمر مخرج الرسول من دار الخيزران وقد طال ما خبي، وعلى عثمان الذي بابنتي رسول الله حبي، وعلى علي الذي من زمن الطفولية في الإسلام ربي، وعلى عمه الذي قال فيه الرسول عمي وصنو أبي، جد سيدنا ومولانا الإمام الواجبة ومخالفه جاهلي في مذهبي، هل أخبرتم بمثل سيرته أو خبرتم كسريرته فيا أكف المؤرخين اكتبي، فموالات أيامه حسبي وخدمتي عزي وحسبي، ثم الشكر لمن غرس الفصاحة في أرض قلبي وقال اخصبي، وكل ألفاظي ممرع ليس فيها وبي، وذلك بفضل ربي لا بأمي وأبي، يا أعين الناس انظري واعجبي، ويا قلوب الحاضرين افهمي واضربي، لو قاومني كل الفصحاء غلبتهم أي والنبي.
الخطبة الأولى سبحانك نوعت المخلوقات وجنست، وتعاليت عن نظير ووزير وتقدست، احرس عقائدنا عن الزيغ كمن قد حرست، ثم تمارا إيماننا فأنت الذي غرست، آنس قلوبنا بالإيمان ولا توحش من آنست، ورفعتنا بالإقرار وبالقرآن وكم قد وكست، أتقول ألسنة الجاهلية إنه شعر لو شئت لأخرست، أتدعي يا مسيلمة قول مثله أفلست، أتعارض (والنازِعاتِ غَرقا) ، بالأكلات أكلاً أنحست، أتدعي يا بدعي إنه مخلوق مرك جست، ما لنبينا معجز كالقرآن ثم تمحوه نيكست، ما يسلم من بدي قدح البدعي في ني بشكست، يا لها من كلمات كالنبال الصائبات (وَكذَلِك نُصَرِّفُ الآياتِ وَليقُولُوا دَرَست) .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بت الفكر عن عرفان جلال ذاته بتا، وبث القدر في الأحوال فكم مصيف ما شتا، بطش ففت الجبال الشم الصم بقهره فتا، وأنعش فلم ينته عفوه حتى الخطايا حتا، أخرج يوسف من السجن بفضله وحبس بفضله يونس بن متى، منع الألكن الفصاحة فهو يروم ما لا يتأتى (وَالليلُ إذا يَغشَى، والنَهارُ إذا تَجَلَّى، وما خَلقَ الذَكَرَ والأُنثَى، إن سَعيَكُم لشَتَّى) .
الخطبة الثالثة
الحمد لله الذي يمهل ولا يخاف فواتا، الذي قال للكون كن فواتى، جمع بقدرته من المختلفات أشتاتاً، وفرق بين الإلفين وكم باتا، وقسر بقهره من تكبر وتعاتى، كم مطمئن في عزته أخذه بعزته بياتا، وكم هدم قصراً مشيداً وكم زلزل أبياتا، يعلم ضمائر القلوب ويسمع أصواتا، لا ينقصه من ملكه ما وهب وآتى، جعل مهر الأخرى طلاق الدنيا بتاتا، وأعلم الزاهدين أنها لا تستطيع ثباتا، مد الأرض وأثبتها بالجبال إثباتا، وأخرج منهاجاً وأباً جعله أقواتا، وصيرها مساكن الخلق تربيهم صغاراً وتضمهم رفاتا، وكتب لفناء ساكنيها عمراً مقدراً وميقاتا، فقضى لهم حياة وقضى عليهم مماتا، ما تأتي عبرة مثل أن أباك وأمك ماتا، (ألم نَجعَلُ الأرضَ كِفاتا، أحياءً وأمواتا) .