الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِى فِي صَاغِيَتِى بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ لاَ أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِى بِاسْمِكَ الَّذِى كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكَاتَبْتُهُ عَبْدُ عَمْرٍو فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ فَأَبْصَرَهُ بِلاَلٌ فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ. فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ، لأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلاً ثَقِيلاً، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ ابْرُكْ. فَبَرَكَ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِى لأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِى، حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِى بِسَيْفِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال: كاتبت أمية بن خلف بأن يحفظني في صاغيتي) بالصاد المهملة والعين المعجمة، قال ابن الأثير: الصاغية خاصة الإنسان والمائلون إليه، اشتقاقه من الصُّغو -بضم الصاد وغين معجمة وتشديد الواو- وهو الميل (فلما كان يوم بدر خرجت) أي: من بين الجيش (إلى جبل لأُحرزه) بضم الهمزة أي: لأحفظه؛ لأنه لم يكن في القتلى ولا في الأسرى (فأبصره بلال) فخرج حتَّى وقف على مجلس الْأَنصار (فقال: أمية بن خلف) أي: هذا أو هنا (لا نجوْتُ) دعاء على نفسه، والغرض حثّ الْأَنصار على قتله (وكان رجلًا ثقيلًا، فلما أدركونا قلت له: ابرك) أراد أن يلقي عليه نفسه عسى عن أن يرجعوا عنه، فأبوا إلا قتله (فتجلّلوه بالسيوف) بالجيم كذا للأصيلي وأبي ذر؛ أي: علوه وغشوه؛ ولغيرهما بالخاء المعجمة أي: أدخلوا السيوف من كل جانب، ولذلك أصابوا رجله بالسيف.
فإن قلت: أين موضع الدلالة؟ قلت: هو كتابه لأمية بأن يحفظ صاغيته.
فإن قلت: كيف لم يقبلوا أمان عبد الرَّحْمَن لأمية وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذمة المسلمين واحدة"؟. قلت: ليس في الحديث أنَّه أمنه، أو لم يعرف الْأَنصار سراية أمانه ونفاذه.