إليه حينئذٍ قال تعالى: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) وقد كان الناس قبل المبعث قد امتُحنوا بموت القلب ونضوب العلم حتى أصابهم الله برحمة من عنده وإنما ضرب المثل بالغيث للمشابهة التي بينه وبين العلم فإن الغيث يحيي البلد الميت والعلم يحيي القلب الميت. النووي: معنى هذا التمثيل أن الأرض ثلاثة أنواع فكذلك الناس فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتاً وينبت الكلأ فينتفع به الناس والدواب والنوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه ويحيى قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع والنوع الثاني من الأرض ما لا يقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها فينتفع به الناس والدواب وكذلك النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أذهان ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به الأحكام والمعاني وليس عندهم اجتهاد في العمل به فهم يحفظونه حتى يجيء أهل العلم للنفع والانتفاع فتأخذه منهم فتنتفع به فهؤلاء نفعوا بما بلغهم والثالث من الأرض هي السباغ التي لا تنبت فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها فكذلك الثالث من الناس ليس لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم أي الأول للمنتفع النافع والثاني للنافع غير المنتفع والثالث لغيرهما والأول إشارة إلى العلماء والثاني إلى النقلة والثالث إلى من لا علم له ولا نقل ولا يخفى أن دلالة اللفظ على كون الناس ثلاثة أنواع غير ظاهرة وفي الحديث أنواع من العلم منها ضرب الأمثال ومنها فضل العلم والتعليم ومنها الحث عليهما وذم الأعراض عنهما. الخطابي: هذا مثل ضرب لمن قبل الهدى وعلم ثم علم غيره فنفعه الله ونفع به ولمن لم يقبل الهدى فلم ينفع بالعلم ولم ينتفع به وأقول فعلى هذا التقدير لم يجعل الناس ثلاثة أنواع بل نوعان. الطيبي: والقسمة الثانية هي المقصود وذلك أن أصاب منها طائفة معطوف على أصاب أرضاً وكانت الثانية معطوفة على كانت لا على أصاب وقسمت الأرض الأولى إلى النقبة وإلى الأجادب والثانية على عكسها قالوا وفي وكانت ضمنت وتراً إلى وتر وفي أصاب شفعاً إلى شفع وهو نحو قوله تعالى: (أن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) من جهة أنه خطف الإناث على الذكور أولاً ثم عطف الزوجين على الزوجين وكذا هنا عطف كانت على كانت ثم عطف أصاب على أصاب. فالحاصل أنه ذكر في الحديث الطرفان العالي في الاهتداء والعالي في الضلال فعبر عمن قبل هدى الله والعلم بقوله فقه وعمن أبى قبولها بقوله لم يرفع بذلك رأساً لأن ما بعدهما وهو نفعه إلى آخره في الأول ولم يقبل هدى الله إلى آخره في الثاني عطف تفسيري لفقه ولقوله لم يرفع وذلك لأن الفقيه هو الذي علم وعمل ثم علم غيره وترك الوسط وهو قسماته أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه فحسب والثاني الذي لم ينتفع هو بنفسه ولكن نفع الغير