كما قيل: من راقب الناس مات غمًا، وفاز بالراحة الجسور.
فالعباد كلهم عاجزون كعجزء لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورا. والله سبحانه هو المتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ولا يصيب العبد من ذلك ألا ما سبق تقديره وقضاؤه له. والخلق كلهم عاجزون عن إيصال نفع أو ضر غير مقدر في الكتاب السابق وتحقيق هذا يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بالخلق وعن رجاء نفعهم وخوف ضرهم.
ومن المعلوم أن المؤثر لرضا الله متصد لمعاداة الخلق وأذاهم، وسعيهم في إتلافه، ولا بد هذه سنة الله في خلقه وألا فما ذنب الرسل من الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس والقائمين بدين الله، الذايين عن كتابه وسنة رسوله عندهم فمن آثر رضا الله فلا بد أن يعاديه رذّالة العالم وسقطهم وجهالهم وأهل البدع والفجور منهم، وأهل الرياسات الباطلة وكل من يخالف هديه هديه. وما يقوم على معاداة هؤلاء إلا طلب الرجوع إلى الله على سماع خطاب: {يأيتها النفس المطمّنة أرجعي إلى ربك راضية مرضيّة}. ومن إسلامه صلب كامل لا تزعزعه الرجال ولا تقلقه الجبال
كما قال أبو الوفا ابن عقيل- في الفنون من صدر اعتقاده عن برهان لم يبق عنده تلون يراعي به أحوال الرجال: {أفائن مّات أو قتّل انقلبتم علّى أعقبكم}.
وكان الصديق- رضي الله عنه- من ثبت على اختلاف الأحوال، فلم يتقلب به في كل مقام زلت به الأقدام. إلى أن قال: وقد يكون الإنسان مسلمًا إلى أن يضيق به عيش وأنما ديننا مبني على تعب مع صلاح الآخرة. فمن طلب به العاجل أخطأ. انتهى.
فينبغي للعبد- حينئذ- أن لا يتغير بكثرة التاركين لما أمرنا به أو الفاعلين لما نهينا عنه.
وقد قال السيد الجليل الفضيل بن عياض- قدس الله روحه- لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها. ولا تغيتر بكثرة السالكين والذين يتعين على العارف مخالفتهم في ذلك قولآ وفعلًا ولا يثبطه عنه وحدته وقلة الرفيق.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا تعز فيه وليك، وتذل فيه عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهي عن المنكر، وسر بنا في سرب النجاة، ووفقنا لامتثال الأمر والإنابة وأفتح لأدعيتنا أبواب الإجابة وإلهمنا ما ألهمت الصالحين، وأيقظنا من رقدة الغافلين، إنك ولي من تولاك، ومجيب من دعاك.