كما قال بعض السلف: الأحمق يغضب من الحق، والعاقل يغضب من الباطل.

قال أبو حامل الغزالي - رحمه الله-: فمن ذمك وأظهر لك النصح لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون قد صدق فيما قال، قصد النصح والشفقة - وإما أن يكون صادقًا ولكن قصده الإيذاء والتعنّت، أو يكون كاذبًا.

(فإن كان صادقًا وقصده النصح) فلا ينبغي أن تذمه، وتغضب عليه وتحقد بسببه، بل ينبغي أن تتقلد (منته) فإن من أهدى إليك عيوبك فقد أرشدك إلى معرفة الصفة المهلكة حتى تنقيها فينبغي أن تفرح به، وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت عليها. في ما اغتمامك بسببه، وكراهتك له، وذمك إياه غاية الجهل.

وإن كان قصده التعنت فأنت قد انتفعت بقوله، إذ أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلًا به أو ذكرك عيبك إن كنت غافلًا عنه، أو قبحه في عينك، لينبعث حرصك إلى إزالته إن كنت قد استحسنته. وكل ذلك أسباب سعادته وقد استفدته منه. فمهما قصدت الدخول على ملك وثوبك ملوث بالعذرة وأنت لا تدري، ولو دخلت عليه كذلك لخفت أن يجز رقبتك، لتلويثك مجلسه بالعذرة. وقال لك قائل: أيها الملوث بالعذرة طهر نفسك، فينبغي أن تفرح به، لأن تنبيهك بقوله غنيمة.

وجميع مساوئ الأخلاق مهلكة في الآخرة، والإنسان إنما يعرفها من قول أعدائه فينبغي أن يغتنمه.

وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه وهو نعمة منك عليك - فلم تغضب عليه بفعل انتفعت أنت به، وتضرر هو به؟

الحالة الثالثة: أن يفتري عليك بما أنت بريء منه عند الله فينبغي أن لا تكره ذلك العيب ولا تشتغل بذمه، بل تتفكر في ثلاثة أمور:

أحدها: أنك خلوت من ذلك العيب فلا تخلو عن أمثاله، وما ستر الله من عيوبك أكثر، فاشكر الله، إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك بذكر ما أنت بريء منه عند الله.

الأمر الثاني: أن ذلك كفارات لبقية مساوئك وذنوبك وكأنه رماك بعيب أنت بريء منه وطهرك من ذنوب أنت ملوث بها. وكل من اغتابك فقد أهدى إليك حسناته، وكل من مدحك فقد قطع ظهرك - فما بالك تفرح بقطع الظهر، ولا تفرح بهدايا الحسنات التي تقربك إلى الله.

الأمر الثالث: أن السكين جنى على دينه حتى سقط من عين الله وأهلك نفسه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015