وقال الحسن البصري: كان بين "عمر" وبين رجل كلام في شيء. فقال له الرجل: اتق الله يا أمير المؤمنين. فقال له رجل من القوم: تقول لأمير المؤمنين: اتق الله! قال: دّعه فليقلها لي، نعم ما قال. ثم قال "عمر": لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم.
قال الحسن- أيضًا - المسلم أخو المسلم يبصره عيوبه ويغفر له ذنوبه، إن من كان قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجلُ الرجلَ فيقول يا أخي ما كل ذنوبي أبصر، ولا كل عيوبي أعرف فإذا رأيت خيرًا فمرني وإذا رأيت شرًا فانهني. وقال الإمام أحمد: لا نزال بخير ما كان في الناس من ينكر علينا.
وقال بعض السلف: رحم الله من بصرني عيوبي، فإن النفس تعمى عن عيبها.
وقال يحيى بن معاذ- قدس الله روحه: اجعل (حبيبك) من عرفك العيوب. وصديقك من حذرك الذنوب. وقال بعضهم: من أحبك نهاك، ومن أبغضك ما نهاك.
وكان داود الطائي قد اعتزل الناس فقيل له: ألا تخالط الناس؟ فقال: ماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي.
قال بعضهم: كلمة لك من أخيك خير لك من مال يخذيك، فإن الحكمة تحييك والمال يطفيك.
وروى البيهقي- بسنده - عن الاوزاعي - قال: سمعت بلال بن سعد - رحمة الله عليه- يقول: أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في يدك دينارًا.
وقال "القمان" لابنه: لأن يضربك الحكيم فيؤذيك، خير من أن يدهنك بدهن طيب.
والمقصود أنه كان أمنية ذوي الدين أن ينبهوا غيرهم، وأن يبذل لهم النصح.
وقد آل الأمر إلى أن بقي أبغض الناس إلينا من ناصحنا وعرفنا عيوبنا، وكاد يكون هذا مفصحًا عن ضعف الإيمان وعدم العرفان، فإن الأخلاق السيئة حيات وعقارب لداغة. ولو نبهنا منبه على أن تحت ثوب أحدنا عقربًا لتقلدنا منته، وفرحنا بذلك واشتغلنا بإبعاد العقرب وقتلها مع أن نكايتها على البدن لا تستمر إلا يومًا أو دونه. ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم القلب ونخشى أن تدوم غوائلها بعد الموت أبد الآباد. ثم إننا لا نفرح بمن ينبهنا عليها ولا يشتغل بإزالتها بل يشتغل بمعاملة الناصح بمثله. وتقول: وأنت - أيضًا - تصنع كيت وكيت، وتشعل العداوة معه عن الانتفاع بنصحه.