بحاجته فقضيت. فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين نزلت عن دابتك لقول يهودي؟ قال: لا ولكن ذكرت قول الله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}.
فالذي يجب على المأمور بالمعروف المنهي عن المنكر أن يتلقى الأمر والنهي بالقبول من غير أن يتأثر بعزة نفس وتكبر يمنعه من قبول الحق. وألا يلقى النصح بالشر فيعمه الذم والتوعد، قال تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه}.
وقال الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}، أي لا أجد أظلم لنفسه ممن وعظ بحجج الله وعلاماته فتهاون بها وأعرض عنها وعن قائلها ونسي ما قامت يداه من الكفر والمعاصي فلم يتب منها ولا رجع عن غيه.
غه
وقد كان السلف يحبون من أمرهم ونهاهم وأهدى إليهم عيوبهم.
كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: رحم الله امرءًا أهدى إلينا مساوئنا، وكان يقول: رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي.
وكان يسأل سلمان الفارسي عن عيوبه لما قدم عليه وقال: ما الذي بلغك عني مما كرهته؟ فاستعغاه فألح عليه. قال: سمعت أنك جمعت بين أدمين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل. قال وهل بلغك غير هذا؟ قال: لا. قال: أما هذان فقد كفيتهما.
قال عمر- أيضًا - في خطبة خطبها: لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟ قال ذلك ثلاثًا فقام علي فقال: يا أمير المؤمنين كنا نستتيبك فإن تبت قبلناك. قال فإن لم افعل؟ قال: إذن نضرب الذي فيه عيناك. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا اعوججنا أقام أودنا.
وكان عمر- أيضًا - يسأل حذيفة ويقول: أنت صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين فهل ترى علي من آثار النفاق شيئًا؟
قال رجل لعمر بن عبد العزيز: رأيتك تسحب ذيلك، قال: فهلا قلت لي؟ قال: هبتك قال: أما علمت أن لقائل الحق من الله سلطانًا؟ .