الأمر بالمعروف، ولا يحققون مراتب النهي عن المنكر الموصوف. فهؤلاء بجملتهم قسمان على مقتضى طبع الإنسان.
الأول عندهم: الرفق في أمرهم ونهيهم. صابرون على الأذى في سرهم وجهرهم.
والثاني: تقيمهم إلى ذلك الغيرة الإسلامية وتحملهم عليه الأنفة الدينية، على أن كلامهم يشتمل الطيش والعجلة والشدة والعنف فيما قاله أو فعله. إذا نزل بهم ما يكرهون لا يحتملون ولا يصبرون. مرتكبون. بالسب واللعن والغيبة محظورًا فيرجع كل منهم آثمًا مأزورا. كما قيل:
يا عبيد السوء ماذا دينكم ... إن هذا الدين عنكم قد قلص
غاية المنكر في تعريفكم ... وبياض خالف اللون برص
الطبقة الخامسة: قوم من العوام رزقوا حظًا من القبول بين الأنام، يأمرون وينهون خبطًا، ولا يعرفون للمأمورات والمنهيات شرطًا. فمن أرضاهم لم يناصحوه، ومن أغضبهم لا يتركوه وما علموا أن الجاهل يأمر وينهى للرئاسة فيفسد، والعالم يأمر وينهى للسياسة فيرشد.
الطبقة السادسة: وهم- في الجهل بالآمر والنهي كالخامسة لكنهم أهل الأسواق وعامة الناس على الإطلاق يهيجهم على إنكار المنكر عقد الإيمان فينكرونه مع غفلتهم عما يقولونه ويفعلونه.
كل منهم قد راح في المعاصي وغدا وممار عند العلماء بجهله مقيدًا:
كيف يجتمع قلب قد صار في الهوى مبددا ... كيف يلين وقد أمسى بالقساوة جلمدا
الطبقة السابعة: دون التي قبلها لخستها ودناءة أهلها وهم قوم نصبوا أنفسهم لذلك رياء وسمعة واكتسابًا للمحامد بين الناس والرفعة واستجلابًا لقلوبهم استجلابًا لمحبوبهم. قد تزيوا بزي الصالحين، ولبسوا لباس المتقشفين، فمنهم من يقوم بذلك عند نظر الخلق إليه. ويتركه إذا لم ير أحدًا لديه. فهم في الجمع يأمرون وينهون إظهارًا للغضب لله من اقتراف السيئات معلنين الأسف على ارتكاب الخطيئات. وصاروا عارًا على المتعبدين ومقتًا للطوائف المتزهدين، لأن قيامهم محض لأجل الناس، فيا شقاءهم بما حصل لهم من الافلاس.
وأهل هذه الطبقة فريقان:
أحدهما: عالمون بما يأمرون.