سكنت عظمة الله في قلوبهم. وضمائرهم ظاهرة من سوى محبوبهم يجتمعون على الأمر بالخير والتواصي، حذرًا من يوم الأخذ بالنواصي. لا يخافون سطوة الجبارين وبأسهم. متكلين على فضل الله أن يحرسهم كما قال سبحانه في وصف أهل القوة منهم والصادقين: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}.
وردوا إليه أكرم ورود وأمنوا في وصالهم عاتق الصدود. وأتعبوا الأعضاء في خدمته والجلود، تصافوا فاصطفوا كالجنود. واستلوا سيوف الجهاد من الغمود وقمعوا بالصبر العدو والكنود. وأرغموا بهمتهم أنف الحسود. فسبحان من اختارهم من الكل واصطفاهم. وخلصهم بالإخلاص من كدر الشوائب ومنعاهم فليس المقصود بالمحبة سواهم.
ساروا وخلفت ففانك ما وجدوا ... وبقيت في أعقابهم فإن لم تلحق بعدوا
فما أشرف من أكرمه المولى العظيم. وما أعلى من مدحه في الكلام القديم وما أسعد من خصه بالتشريف والتكريم لمثل هذا فليعمل العاملون. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
الطبقة الثانية: إذ هي من الأولى دانية. وهم قوم من أهل العلم والعمل والقيام بما يرضي الله- عز وجل - متلبسون بما يستحب من الأخلاق المحمودة تاركون ما كره لهم من تعدي الأمور المحدودة.
فهم لغوامض الأحكام فاقهون، وإلى الأمر بالمعروف سابقون، فترى أحدهم للنهي عن المنكر يلازم، ومع الأذى لا تأخذه في الله لومة لائم. أحوالهم في ذلك عجيبة وهممهم في المبادرة إليه غريبة. لكن عندهم حدة في تغييرهم، وصلابة زائدة في أمر دينهم، ففاتهم الرفق الذي لم يكن في شيء إلا زانه ولا ينزع من أمر مندوب إلا شانه.
فهم- مع ذلك- قريبون ممن قبلهم إذ كان سعيهم مشكورًا: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}.
الطبقة الثالثة: قوم عالمون بما يأمرون عارفون بما يقولون ويفعلون لكنهم بالآفات المفسدة للأمر والنهي جاهلون. فترى الواحد منهم بالظن السيئ خصيصًا، وعلى التجسس على آهل المنكر حريصًا، محتقرًا لمن ينكر عليه، ناظرًا بعين الازدراء والتجبر إليه.
الطبقة الرابعة: قوم صالحون أخيار مؤمنون أتقياء أبرار غير أنهم لا يعرفون قواعد