إثبات سلطنه وولاية واحتكام على المحكوم عليه، ولذلك لم يثبت للكافر على المسلم مع كونه حقًا، فينبغي أن لا يثبت لآحاد الرعية إلا بتفويض من الوالي وصاحب الأمر؟ فنقول: أما الكافر فممنوع لما فيه من السلطنة، وعز الأحكام، والكافر ذليل (فلا يستحق أن ينال عز الحكم والتحكم على المسلم. وأما آحاد المسلمين فيستحقون هذا العز بالدين والمعرفة. وما فيه من عز السلطنة والاحتكام لا يحوج إلى تفويض كعز التعليم والتعريف، إذ لا خلاف في أن تعريف التحريم والإيجاب لمن هو جاهل ومقدم على المنكر بجهله لا يحتاج إلى إذن إمام وفيه عز الإرشاد وعلى المعرف ذل التجهيل وذلك يكفي (فيه) مجرد الدين وكذلك النهي.
والعجيب أن الرافضة زادوا على هذا وقالوا: "لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لم يخرج الإمام المعصوم وهو الإمام الحق عندهم وهؤلاء أحسن رتبة (من) أن يكلموا بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى القضاء بحقوقهم في دمائهم وأموالهم: إن نصرتكم آمر بالمعروف وأستخرج حقوقكم من يد من ظلمكم نهي عن المنكر، وطلبكم لحقكم من جملة المعروف وما هذا زمان النهي عن الظلم، وطلب الحقوق، لأن الإمام الحق لم يخرج بعد.
قال أبو حامد: وشرح القول في المسألة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له حمس مراتب:
المرتبة الأولى: التعريف والثانية: الوعظ بالكلام اللطيف، والثالثة: السبب العنيف ولست أعني به الفحش بل أن يقول: يا جاهل، يا أحمق ألا تخاف الله؟ ألا تستحي من الله؟ وما يجرى هذا المجرى. الرابعة: المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي، وإراقة الخمور، واختطاف الثوب الحرير من لابسه، واستلاب الشيء المغصوب منه. ورده إلى صاحبه، المرتبة الخامسة: التخويف، والتهديد والضرب، أو مباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه كالمواظبة على الغيبة، والقذف، فإن سلب لسانه غير ممكن، لكن يحمل على اختيار السكوت بالضرب. وهذا قد يحوج إلى استعانة، وجمع جنود، وأعوان من الجانبين ويجر ذلك إلى القتال. وسائر المراتب لا يخفى وجه استغنائها عن إذن الإمام إلاّ هذه المرتبة، قال فإن فيها نظرا انتهى.
وروى أبو بكر البيهقي - في شعب الإيمان - بسنده عن محمد بن زياد الأعرابي قال: