والنهي عن المنكر بأنه عاص لوجوه أربعة:
أحدها: أن يكون زاهدًا في ثواب ذلك إما لجهله أو لعدم إيمانه.
الوجه الثاني: أن يدعو إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي.
الوجه الثالث: أن يرى منكرًا وهو قادر على أن يغيره فلا يغيره.
الوجه الرابع: أن يرى قومًا قد أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهم محتاجون إلى معونته وهو قادر فلا يعينهم كما سيأتي تفصيل ذلك في طبقات الآمرين والمأمورين والمتخلفين من الباب الثالث إن شاء الله تعالى.
قال العلامة ابن القيم: وذهب أهل الإلحاد إلى عدم الإنكار على الخلق فيما يبدو منهم من أحكام البشرية، لأن المشاهد يعين الجميع يعلم أن مراد الله من الخلائق ما هم عليه وإذا علم ذلك بحقيقة الشهود كان الإنكار رعونة من رعونات الأنفس المحجوبة. وقال قدوتهم في ذلك: العارف لا ينكر منكرًا، لاستبصاره بسر الله في القدر.
وهذا عين الإلحاد والانسلاخ من الدين بالكلية. فيقال: إنما بعث الله رسله وأنزل كتبه بالإنكار على الخلق ما هم عليه من أحكام البشرية وغيرها، فبهذا أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وانقسمت الدار إلى دار سعادة للمنكرين، ودار شقوة للمنكر عليهم، فالطعن في ذلك طعن في الرسل والكتب. ومن تأمل أحوال الرسل مع أممهم وجد أنهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشد القيام حتى لقوا الله وأوصوا من آمن بهم بالإنكار على من خالفهم.
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المتخلص من مقامات الإنكار الثلاثة ليس معه من الإيمان حبة خردل.
وبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد المبالغة حتى قال: (إن الناس إذا تركوه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده).
وأخبر أن تركه يمنع إجابة دعاء الأخيار، ويوجب تسلط الأشرار وأخبر أن تركه يوقع المخالفة بين القلوب والوجوه، وتحل لعنة الله كما لعن بني إسرائيل على تركه انتهى.
قلت: وقد سبق في تفسير الآيات الكريمات والأحاديث الصحاح المرويات توبيخ من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر وتهديده وتواعده والله أعلم.
ثم قال ابن القيم: (فكيف يكون الإنكار من رعونات النفوس وهو مقصود الشريعة؟