وقول القائل: إن المشاهد يعلم أن مراد الله من الخلائق ما هم عليه؟ فيقال له: الرب -تعالى- له مرادات: كوني وديني. فهب أن مراده الكوني منهم ما هم عليه، فمراده الديني الأمر الشرعي وهو الإنكار على أصحاب المراد الكوني، فإذا عطلت مراده الديني لم تكن واقفًا مع مراده الذي يحبه ويرضاه، ولا ينفعك وقوفك مع مراده الذي قدره وقضاه، إذ لو نفع ذلك لم يكن للشرائع معنى البتة، ولا للحدود والزواجر ولا للعقوبات الدينية ولا للأخذ على أيدي الظلمة والفجار، وكف عصيانهم وفجورهم وفي هذا إفساد الدنيا قبل الأديان.
فهذا المذهب الخبيث لا يصلح عليه دنيا ولا دين ولكنه رعونة نفس قد أخلدت إلى الإلحاد وكفرت بدين رب الغباد، واتخذت تعطيل الشرائع مقامًا، ووساوس الشياطين مسامرة وإلهامًا، وجعلت أقدار الرب -تعالى- مبطلة لما بعث به رسله وأنزل كتبه، وجعلوا هذا الإلحاد غاية المعارف الإلهية، وأشرف المقامات العلية، ودعوا إلى ذلك النفوس المبطلة الجاهلة بالله وبدينه فلبوا دعوتهم مسرعين واستخف الداعي منهم قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قومًا فاسقين.
وقول القائل: إن الإنكار من رعونات الأنفس المحجوبة.
فلعمري إنهم في حجاب منيع عن هذا الكفر والإلحاد ولكنهم يشرفون على أهله وهم في ضلالتهم يعمهون، وفي كفرهم يترددون ولأتباع الرسل محاربون وإلى خلاف طريقتهم يدعون وبغير هديهم يهتدون وعن صراطهم المستقيم ناكبون، ولما جاءوا به معارضون).
{يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}.