الكليات (صفحة 408)

تورع فِيهِ إِلَى الِامْتِثَال فَأخْبر عَنهُ

الْخطاب: خاطبه: وَهَذَا الْخطاب لَهُ، لَا خَاطب مَعَه وَالْخطاب مَعَه إِلَّا بِاعْتِبَار تضمين معنى المكالمة وَهُوَ الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ الإفهام

وَلَفظ (الْمُخَاطب) لم يوضع لمخاطب يتَوَجَّه إِلَيْهِ الْخطاب بِلَفْظ الْمُخَاطب، بِخِلَاف (أَنْت) بل هُوَ، وَكَذَا لفظ (الْمُتَكَلّم) موضوعان لمفهومهما لَا لذاتهما فِي الْأَحْكَام

الْخطاب: اللَّفْظ المتواضع عَلَيْهِ الْمَقْصُود بِهِ إفهام من هُوَ متهيئ لفهمه احْتَرز " بِاللَّفْظِ " عَن الحركات والإشارات المفهمة بالمواضعة و " بالتواضع عَلَيْهِ " عَن الْأَلْفَاظ الْمُهْملَة، و " بِالْمَقْصُودِ بِهِ الإفهام " عَن كَلَام لم يقْصد بِهِ إفهام المستمع فَإِنَّهُ لَا يُسمى خطابا، وَبِقَوْلِهِ: " لمن هُوَ متهيئ لفهمه " عَن الْكَلَام لمن لَا يفهم كالنائم

وَالْكَلَام يُطلق على الْعبارَة الدَّالَّة بِالْوَضْعِ وعَلى مدلولها الْقَائِم بِالنَّفسِ، فالخطاب إِمَّا الْكَلَام اللَّفْظِيّ أَو الْكَلَام النَّفْسِيّ الموجه نَحْو الْغَيْر للإفهام وَقد جرى الْخلاف فِي كَلَام الله هَل يُسمى بالأزل خطابا قبل وجود المخاطبين تَنْزِيلا لما سيوجد منزلَة الْمَوْجُود أَو لَا؟ فَمن قَالَ: الْخطاب هُوَ الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ الإفهام سمي الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا، لِأَنَّهُ يقْصد بِهِ الإفهام فِي الْجُمْلَة وَمن قَالَ: هُوَ الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ إفهام من هُوَ أهل للفهم على مَا هُوَ الأَصْل لَا يُسَمِّيه فِي الْأَزَل خطابا وَالْأَكْثَر مِمَّن أثبت الله تَعَالَى الْكَلَام النَّفْسِيّ من أهل السّنة على أَنه كَانَ فِي الْأَزَل أَمر وَنهي وَخبر، وَزَاد بَعضهم الاستخبار والنداء أَيْضا والأشعرية على أَنه تَعَالَى تكلم بِكَلَام وَاحِد وَهُوَ الْخَبَر، وَيرجع الْجَمِيع إِلَيْهِ لينتظم لَهُ القَوْل بالوحدة، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ مَدْلُول اللَّفْظ مَا وضع لَهُ اللَّفْظ لَا مَا يَقْتَضِي مَدْلُوله على تَقْدِير، وَإِلَّا لجَاز اعْتِبَاره فِي الْخَبَر فَحِينَئِذٍ يرْتَفع الوثوق عَن الْوَعْد والوعيد بِاحْتِمَال معنى آخر غير مَا يفهم وَمن يُرِيد أَن يَأْمر أَو يُنْهِي أَو يخبر أَو يستخبر أَو يُنَادي يجد فِي نَفسه قبل التَّلَفُّظ مَعْنَاهَا ثمَّ يعبر عَنهُ بِلَفْظ أَو كِتَابَة أَو إِشَارَة، وَذَلِكَ الْمَعْنى هُوَ الْكَلَام النَّفْسِيّ، وَمَا يعبر بِهِ هُوَ الْكَلَام الْحسي، ومغايرتهما بَيِّنَة، إِذْ الْمعبر بِهِ هُوَ الْكَلَام الْحسي، ومغايرتهما بَيِّنَة، إِذْ قد يخْتَلف دون الْمَعْنى، وفرقه من الْعلم هُوَ أَن مَا خَاطب بِهِ مَعَ نَفسه أَو مَعَ غَيره فَهُوَ كَلَام، وَإِلَّا فَهُوَ علم، وَنسبَة علمه تَعَالَى إِلَى جَمِيع الْأَزْمِنَة على السوية، فَيكون جَمِيع الْأَزْمِنَة من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ تَعَالَى كالحاضر فِي زَمَانه فيخاطب بالْكلَام النَّفْسِيّ مَعَ مُخَاطب نَفسِي، وَإِلَّا يجب فِيهِ حُضُور الْمُخَاطب الْحسي، كَمَا فِي الْحسي فيخاطب الله كل قوم بِحَسب زَمَانه وتقدمه وتأخره، مثلا إِذا أرْسلت زيدا إِلَى عَمْرو تكْتب فِي مكتوبك إِلَيْهِ: إِنِّي أرْسلت إِلَيْك زيدا، مَعَ أَنه حينما تكتبه لم يتَحَقَّق الْإِرْسَال فتلاحظ حَال الْمُخَاطب، وكما تقدر فِي نَفسك مُخَاطبَة وَتقول لَهُ: تفعل الْآن كَذَا، وستفعل بعده كَذَا، وَكَانَ قبل ذَلِك كَذَا، وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمُضِيّ والحضور والاستقبال إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمَان الْوُجُود الْمُقدر من هَذَا الْمُخَاطب لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمَان الْمُتَكَلّم

وَمن أَرَادَ أَن يفهم حَقِيقَة هَذَا الْمَعْنى فليجرد نَفسه عَن الزَّمَان، ولينتظر نسبته إِلَى الْأَزْمِنَة يجد هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015