منْ شهدَ مشْهَدَ علوِّ الله على خلقهِ، وفوقيَّتهُ لعبادهِ، واستواءَه على عرشهِ، كما أخبرَ بهِ أعرفُ الخلقِ وأعلمهم بهِ الصَّادقُ المصْدوقُ، وتعبَّدَ بمقتضى هذهِ الصِّفةِ بحيثُ يصيرُ لقلبهِ صمدٌ يعرجُ القلبُ إليهِ مناجيًا لهُ مطرقًا واقفًا بينَ يديهِ وقوفَ العبدِ الذَّليلِ بينَ يدي الملكِ العزيزِ، فيشعرُ بأنَّ كَلِمَهُ وعملَهُ صاعدٌ إليهِ معروضٌ عليه مع أوفى خاصَّتهِ وأوليائهِ، فيستحي أنْ يصعدَ إليهِ منْ كَلِمِهِ ما يخزيهِ ويفضحهُ هناكَ، ويشهدُ نزولَ الأمرِ والمراسيمِ الإلهيةِ إلى أقطارِ العوالمِ كلَّ وقتٍ بأنواعِ التدبيرِ والمصرفِ - مِنَ الإماتةِ والإحياءِ والتوليةِ والعزلِ والخفضِ والرفعِ والعطاءِ والمنعِ وكشفِ البلاءِ وإرسالهِ وتقلُّبِ الدولِ ومداولةِ الأيامِ بينَ النَّاسِ - إلى غيرِ ذلكَ مِنَ التصرفاتِ في المملكةِ التي لا يتصرفُ فيهَا سواهُ، فمراسمهُ نافذةٌ فيها كما يشاء {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ *} [السجدة: 5].
فمنْ أعطى هذا المشهدَ حقَّهُ معرفةً وعبوديةً استغنى به (?) بخلافِ منْ لا يدري أينَ ربُّه فإنَّهُ ضائعٌ مشتتُ القلبِ ليسَ لقلبهِ قبلةٌ يتوجَّهُ نحوهَا ولا معبودٌ يتوجَّه إليهِ قصدهُ (?).