54 - المسلمونَ وسطٌ يصفونَ الله بما وصفَ بهِ نفسَهُ، ووصفهُ بهِ رسلُهُ منْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، يصفونهُ بصفاتِ الكمالِ، وينزهونهُ عَنِ النَّقائصِ التي تمتنعُ على الخالقِ ولا يتَّصفُ بها إلَّا المخلوقُ، فيصفونهُ بالحياةِ والعلمِ والقدرةِ والرحمةِ والعدلِ والإحسانِ وينزِّهونهُ عَنِ الموتِ والنومِ والجهلِ والعجزِ والظلمِ والفناءِ، ويعلمونَ معَ ذلكَ أنهُ لا مثيلَ لهُ في شيءٍ منْ صفاتِ الكمالِ فلا أحدٌ يعلمُ كعلمهِ، ولا يقدرُ كقدرتهِ، ولا يرحمُ كرحمتهِ، ولا يسمعُ كسمعهِ، ولا يبصرُ كبصرهِ، ولا يخلقُ كخلقهِ، ولا يستوي كاستوائه، ولا يأتي كإتيانهِ، ولا ينزلُ كنزولهِ (?).
55 - وقولُ الرُّسل «في السَّماء» أي في العلوِّ، ليسَ مرادهمْ أنَّهُ في جوفِ الأفلاكِ؛ بَلِ السَّماءُ العلوُّ، وهو إذا كانَ فوقَ العرشِ، فهوَ العليُّ الأعلى وليسَ هناكَ مخلوقٌ، حتَّى يكونَ الرَّبُّ محصورًا في شيءٍ مِنَ المخلوقاتِ ولاَ هوَ في جهةٍ موجودةٍ، بل ليسَ موجودًا إلَّا الخالقُ والمخلوقُ، والخالقُ بائنٌ عنْ مخلوقاتهِ، عالٍ عليها، فليس هو في مخلوقٍ أصلًا، سواءٌ سمِّي ذلكَ المخلوقُ جهةً أو لمْ يسمَّ جهةً (?).
56 - فمن قال: إنهُ استوى على العرشِ كاستواءِ الملك بحيث يكون محتاجًا إلى العرشِ، فهذا تمثيلٌ منكرٌ، فإن الله تعالى غنيٌ عن كلِّ ما سواه، والعرشُ وكلُّ مخلوقٍ مفتقرٌ إلى الله تعالى من كلِّ وجهٍ، وهو بقدرتهِ يحملُ العرشَ وحملتهُ (?).
انتهى كلامه الشَّريفُ. وما أجلَّهُ، وأجمعَهُ، وأنفعهُ، وأصحَّهُ، وأتقنهُ، وأرجحهُ! تلوحُ منهُ أنوارُ الحقِّ والصَّوابِ. وعليهِ منْ ملابسِ التحقيقِ برود الإنصافِ. لا شكَّ فيهِ منْ وجهٍ ولا ارتيابٍ (?).