29 - كثيرٌ ممَّنْ يتنازعونَ في «أنَّ الله في السَّماء» أو «ليسَ في السَّماءِ». فالمثبتةُ تطلقُ القولَ بأنَّ الله في السَّماءِ كما جاءتْ بهِ النُّصوصُ ودلَّتْ عليهِ بمعنى: أنَّهُ فوقَ السَّمواتِ على عرشهِ بائنٌ منْ خلقهِ. وآخرونَ ينفونَ القولَ بأنَّ الله في السَّماءِ، ومقْصودهمْ: أنَّ السَّماءَ لا تحويهِ ولا تحْصرهُ ولا تحملهُ ولا تقلُّهُ، ولا ريبَ أنَّ هذا المعنى صحيحٌ أيضًا، فإنَّ الله لا تحصرهُ مخلوقاتهُ، بلْ وسعَ كرسيُّهُ السمواتِ والأرضَ؛ والكرسيُّ في العرشِ كحلقةٍ ملقاةٍ بأرضِ فلاةٍ، وكذلكَ ليسَ هوَ مفتقرًا إلى غيرهِ محتاجًا إليهِ، بلْ هوَ الغنيُّ عن خلقهِ الحيُّ القيُّومُ الصمدُ، فليسَ بينَ المعنيينِ تضادٌّ، ولكن هؤلاءِ أخْطأوا في نفيِ اللَّفظِ الذي جاءَ بهِ الكتابُ والسنَّةُ وفي توهُّمِ أنَّ إطلاقهُ دالٌّ على معنًى فاسدٍ.
وقدْ يعذرُ بعضهم إذا رأى منْ أطلقَ هذا اللَّفظَ وأرادَ بهِ أنَّ السَّماءَ تقلُّهُ أو تظلُّهُ، وإذا أخطأ منْ عنى هذا المعنى فقدْ أصابَ، وأمَّا الأوَّلُ فقد أصابَ في اللَّفظِ لإطلاقهِ ما جاءَ بهِ النَّصُ، وفي المعنى الذي تقدَّمَ؛ لأنَّهُ المعنى الحقُّ الذي دلَّ عليهِ النَّصُ، لكنْ قدْ يخطيءُ بعضهم في تكفيرِ منْ يطلقُ اللَّفظَ الثاني إذا كانَ مقصودهُ المعنى الصحيحَ، فإنَّ منْ عنى المعنى الصحيحَ لمْ يكفرْ بإطلاقِ لفظٍ وإنْ كان مسيئًا أو فاعلًا أمرًا محرَّمًا.