أوْ يقالُ: بل استوى سبحانهُ على العرشِ على الوجهِ الذي يليقُ بجلالهِ ويناسبُ كبرياءهُ، وأنَّهُ فوقَ سماواتهِ على عرشهِ بائنٌ منْ خلقهِ، مع أنَّهُ سبحانهُ هوَ حاملٌ للعرشِ ولحملةِ العرشِ، وأنَّ الاستواءَ معلومٌ، والكيفَ مجهولٌ، والإيمانَ بهِ واجبٌ، والسؤالَ عنهُ بدعةٌ! فهذا مذهبُ المسلمينَ، وهوَ الظاهرُ منْ لفظِ {اسْتَوَى} عندَ عامَّةِ المسلمينَ الباقينَ على الفطرةِ السَّليمةِ، التي لم تنحرِفْ إلى تعطيلٍ ولا إلى تمثيلٍ (?).
28 - منْ أكثرَ النَّظرَ في آثارِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم علمَ بالاضطرارِ أنَّهُ ألقى إلى الأمَّةِ أنَّ ربَّكمُ الذي تعبدونهُ فوقَ كلِّ شيءٍ، وعلى كلِّ شيءٍ، فوقَ العرشِ، وفوقَ السَّماواتِ، وعلمَ أنَّ عامَّةَ السَّلفِ كانَ هذا عندهم مثل ما عندهم أنَّ الله بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وعلى كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّهُ لا ينقلُ عنْ واحدٍ لفظٌ يدلُّ لا نصًّا ولا ظاهرًا على خِلافِ ذلكَ، ولا قالَ أحدٌ منهم يومًا مِنَ الدهرِ إنَّ ربَّنا ليسَ فوقَ العرشِ، أو أنَّه ليسَ على العرشِ، أو أنَّ استواءهُ على العرشِ كاستوائهِ على البحرِ، إلى غيرِ ذلكَ من ترَّهاتِ الجهميَّةِ، ولا مثَّلَ استواءهُ باستواءِ المخلوقِ، ولا أثبتَ لهُ صفةً مستلزمةً حدوثًا أو نقصًا (?).