فإذا كانَ العبدُ فقيرًا إلى ما استوى عليهِ، يحتاجُ إلى حملهِ، وكانَ الربُّ عزَّ وجلَّ غنيًا عنْ كلِّ ما سواهُ، والعرشُ وما سواهُ فقيرًا إليهِ، وهو الذي يحملُ العرشَ، وحملةَ العرشِ، لمْ يلزمْ إذا كان الفقيرُ محتاجًا إلى ما استوى عليهِ أنْ يكونَ الغنيُّ عنْ كلِّ شيءٍ - وكلُّ شيءٍ محتاجٌ إليهِ - محتاجًا إلى ما استوى عليهِ.
وليسَ في ظاهرِ كلامِ اللهِ عزَّ وجلَّ ما يدلُّ على ما يختصُّ بهِ المخلوقُ منْ حاجةٍ إلى حاملٍ وغيرِ ذلكَ، بل توهَّم هذا منْ سوءِ الفهمِ لا منْ دلالةِ اللَّفظِ.
لكنْ إذا تخيَّل المتخيِّلُ في نفسهِ أنَّ الله مثلهُ، تخيَّلَ أنْ يكونَ استواؤهُ كاستوائهِ، وإذا عرفَ أنَّ الله ليسَ كمثلهِ شيءٌ، لا في ذاتهِ، ولا في صفاتهِ ولا في أفعالهِ، علمَ أنَّ استواءَهُ ليسَ كاستوائهِ، ولا مجيئهُ كمجيئهِ، كما أنَّ علمهُ وقدرتهُ ورضاهُ وغضبهُ، ليسَ كعلمهِ وقدرتهِ ورضاهِ وغضبهِ.
فصفاتُ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ، مختصَّةٌ بهِ، وصفاتُ المخلوقِ مختصَّةٌ بهِ، ليسَ بينهما اشتراكٌ ولا بينَ مخلوقٍ ومخلوقٍ (?).
27 - قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]: أنْ يقالَ: استواءٌ كاستواءِ المخلوقِ: أو يفسَّرُ باستواءٍ مستلزمٍ حدوثًا أو نقصًا. فهذا الذي يُحكى عنِ الضُّلالِ المشبِّهةِ والمجسِّمةِ، وهوَ باطلٌ قطعًا بالقرآنِ وبالعقلِ.
وإمَّا أنْ يقالَ: ما ثمَّ استواءٌ حقيقيٌّ أصلًا، ولا على العرشِ إلهٌ، ولا فوقَ السَّماوات ربٌّ فهذا مذهبُ الضَّالَّةِ الجهميَّةِ المعطِّلةِ. وهوَ باطلٌ قطعًا بما عُلِمَ بالاضطرارِ منْ دينِ الإسلامِ لمنْ أمعنَ النَّظرَ في العلومِ النبويَّةِ، وبما فطرَ الله عليهِ خليقتهُ من الإقرارِ بأنَّهُ فوقَ خلقهِ، كإقرارهم بأنَّهُ ربُّهم.