هلْ هذا إلَّا جهلٌ محضٌ وضلالٌ ممَّن فهمَ ذلكَ وتوهَّمهُ، أو ظنَّهُ ظاهرَ اللَّفظِ ومدلوله، أو جوَّز ذلكَ على ربِّ العالمينَ الغنيِّ عنِ الخلقِ! بلْ لوْ قُدِّرَ أنَّ جاهلًا فهمَ مثلَ هَذَا، وتوهَّمهُ، لَبُيِّنَ لهُ أنَّ هذا لا يجوزُ، وأنَّهُ لمْ يدلَّ اللَّفظُ عليهِ أصلًا، كمَا لمْ يدلَّ على نظائرهِ في سائرِ ما وصفَ بهِ الرَّبُّ نفسهُ (?).

12 - إنَّ الله تعالى خلقَ العالمَ بعضهُ فوقَ بعضٍ، ولمْ يجعلْ عالِيَهُ مفتقرًا إلى سافلهِ. فالهواءُ فوقَ الأرضِ، وليسَ مفتقرًا إلى أنْ تحملهُ الأرضُ، والسَّحابُ أيضًا فوقَ الأرضِ، وليس مفتقرًا إلى أنْ تحملهُ، والسَّماواتُ فوقَ الأرضِ وليستْ مفتقرةً إلى حملِ الأرضِ لها.

فالعليُّ الأعلى ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكهُ إذا كانَ فوقَ جميعِ خلقهِ: كيفَ يجبُ أنْ يكونَ محتاجًا إلى خلقهِ، أو عرشهِ! أو كيفَ يستلزمُ علوُّه على خلقهِ هذا الافتقارَ وهوَ ليسَ بمستلزمٍ في المخلوقاتِ! وقدْ عُلِمَ أنَّ ما ثبتَ لمخلوقٍ منَ الغِنى عنْ غيرهِ فالخالقُ سبحانه وتعالى أحقُّ بهِ وأولى (?).

13 - قولُه: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] إنَّه على ظاهرهِ لمْ يقتضِ ذلكَ أنْ يكونَ ظاهرهُ استواءً كاستواءِ المخلوقِ (?).

14 - لله تعالى استواءٌ على عرشهِ حقيقةً وللعبدِ استواءٌ على الفلكِ حقيقةً، وليسَ استواءُ الخالقِ كاستواءِ المخلوقينَ، فإنَّ الله لا يفتقرُ إلى شيءٍ ولا يحتاجُ إلى شيءٍ، بل هو الغنيُّ عنْ كلِّ شيءٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015