فيظنُّ المتوهِّمُ أنَّهُ إذا وُصِفَ بالاستواءِ على العرشِ: كانَ استواؤهُ كاستواءِ الإنسانِ على ظهورِ الفلكِ والأنعامِ، كقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 12 - 13] فيتخَيَّلُ أنَّهُ إذا كانَ مستويًا على العرشِ كانَ محتاجًا إليه، كحاجةِ المستوي على الفلكِ والأنعامِ، فلو انخرقتِ السفينةُ لسقطَ المستوي عليهَا، ولو عثرت الدَّابَّةُ لخرَّ المستوي عليها. فقياسُ هذا أنَّه لو عدمَ العرشُ لسقطَ الرَّبُّ تباركَ وتعالى .. وكانَ هذا الخطأُ منْ خطئهِ في مفهومِ استوائهِ على العرشِ، حيثُ ظنَّ أنَّهُ مثلُ استواءِ الإنسانِ على ظهورِ الأنعامِ والفلكِ.
وليسَ في هذا اللَّفظِ ما يدلُّ على ذلكَ، لأنَّه أضافَ الاستواءَ إلى نفسهِ الكريمةِ كمَا أضافَ إليهَا سائرَ أفعالهِ وصفاتهِ ... فلمْ يذكر استواءً مطلقًا يصلحُ للمخلوقِ، ولا عامًّا يتناولُ المخلوقَ، كما لمْ يذكر مثلَ ذلكَ في سائرِ صفاتهِ، وإنَّما ذكرَ استواءً أضافهُ إلى نفسهِ الكريمةِ.
فلو قُدِّر - على وجهِ الفرضِ الممتنع - أنَّه مثلُ خلقهِ - تعالى الله عنْ ذلكَ - لكانَ استواؤهُ مثلَ استواءِ خلقهِ، أمَّا إذا كانَ هو لَيسَ مماثلًا لخلقهِ، بلْ قدْ عُلِمَ أنَّهُ الغنيُّ عَنِ الخلقِ، وأنَّهُ الخالقُ للعرشِ ولغيرهِ، وأنَّ كلَّ ما سواهُ مفتقرٌ إليهِ، وهو الغنيُّ عن كلِّ ما سواهُ، وهو لمْ يَذْكُرْ إلَّا استواءً يَخُصُّهُ، لمْ يَذْكُرِ استواءً يتناولُ غيرَهُ ولا يصلحُ لهُ، كما لمْ يذكرْ في علمهِ وقدرتهِ ورؤيتهِ وسمعهِ وخلقهِ إلَّا ما يختصُّ بهِ، فكيفَ يجوزُ أنْ يُتوهَّمَ أنَّه إذا كانَ مستويًا على العرشِ كانَ محتاجًا إليهِ، وأنَّه لوْ سقطَ العرشُ لخرَّ منْ عليهِ! سبحانه وتعالى عمَّا يقولُ الظالمونَ والجاحدونَ علوًّا كبيرًا.