ولا يخفى على أحدٍ أنَّ الذي يقول: إنَّ الأخذَ بظاهرِ قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] يلزمُ منهُ الكفرُ والتشبيهُ والضَّلالُ. أنَّ إلزامهُ هذا اعتراضٌ صريحٌ على منْ أخبرَ بالاستواءِ وهو الله جلَّ وعلا (?).
الوجهُ الثاني:
لا شكَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، عالمٌ كلَّ العِلْمِ، بأنَّ الظاهرَ المتبادرَ ممَّا مدحَ الله بهِ نفسه، في آياتِ الصِّفاتِ هو التنزيهُ التَّامُّ عنْ صفاتِ الخلقِ، ولو كان يخطرُ في ذهنهِ أنَّ ظاهرهُ لا يليقُ، لأنَّهُ تشبيهٌ بصفاتِ الخلقِ، لظهرَ التحذيرُ منهُ ومنْ أصحابهِ وتواترَ أعظمَ ممَّا حذَّروا مِنَ الدَّجالِ الأعورِ الكذَّابِ، ولبادرَ كلَّ المبادرةِ إلى بيانِ ذلكَ، لأنَّه لا يجوزُ في حقِّهِ تأخيرُ البيانِ عنْ وقتِ الحاجةِ إليهِ، ولا سيَّما في العقائدِ، ولا سيَّما فيما ظاهرهُ الكفرُ والتشبيهُ. ولو أخَّرَ البيانَ لكانَ قدْ كلَّفَ العبادَ ما لا سبيلَ إليهِ (?).
ألا ترى أنَّ المتكلِّمينَ لمَّا اعتقدوا قبحَ هذه الظواهرِ تواترَ عنهمُ التَّحذيرُ عنهَا والتأويلُ لها وصنَّفوا في ذلكَ وأيقظوا الغافلينَ، وعلَّموا الجاهلينَ، وكفَّروا المخالفينَ، وأشاعوا ذلكَ بينَ المسلمينَ؛ بل بينَ العالمينَ. فكانَ أحقَّ منهم بذلك سيِّدُ المرسلينَ، وقدماءُ السابقينَ، وأنصارُ الدِّينِ (?).
الوجهُ الثالثُ:
لوْ علمَ الأئمَّةُ أنَّ حملَ النُّصوصِ على ظاهرهَا كفرٌ لوجبَ عليهم تبيينُ ذلكَ، وتحذيرُ الأمَّةِ منهُ؛ فإنَّ ذلكَ من تمامِ نصيحةِ المسلمينَ، فكيفَ كانوا ينصحونَ الأمَّةَ فيما يتعلَّقُ بالأحكام العمليةِ ويَدَعونَ نصيحتهم فيما يتعلَّقُ بأصولِ الإعتقاداتِ!! هذا من أبطلِ الباطلِ (?).