والقائلُ الذي قالَ: منْ لَمْ يعتقدْ أَنَّ الله فِي السّمَاءِ فَهُوَ ضالٌّ، إنْ أرادَ بذلكَ منْ لاَ يعتقد أنَّ الله فِي جوفِ السَّمَاء، بحيثُ تحصرُهُ وتحيطُ بِهِ فَقَدْ أخطأَ. وإنْ أرادَ بذلكَ منْ لَمْ يعتقدْ مَا جاءَ بِهِ الكتابُ والسنَّةُ، واتَّفقَ عَلَيهِ سلفُ الأمَّةِ وأئمَّتها، مِنْ أنَّ الله تعالى فَوْقَ سماواته عَلَى عرشهِ، بائنٌ منْ خلقهِ، فَقَدْ أصابَ؛ فإنَّه منْ لَمْ يعتقدْ ذَلِكَ يكونُ مكذِّبًا للرسولِ صلى الله عليه وسلم، متَّبعًا غيرَ سبيلِ المؤمنينَ؛ بلْ يكونُ فِي الحقيقةِ معطِّلًا لربِّهِ نافيًا لَهُ؛ فَلاَ يكونُ لَهُ فِي الحقيقةِ إلهٌ يعبدهُ، وَلاَ ربٌّ يسألهُ، ويقصدهُ. وهذا قولُ الجهميَّةِ ونحوهمْ منْ أتباعِ فرعونَ المعطِّل.
واللهُ سبحانهُ قدْ فطرَ العبادَ - عربهم وعجمهم - على أنَّهم إذا دعوهُ توجَّهتْ قلوبهم إلى العلوِّ، ولا يقصدونَهُ تحتَ أرجلهمْ، ولهذا قَالَ بعضُ العارفينَ: مَا قَالَ عارفٌ قطٌّ: يَا الله!! إِلَّا وجدَ فِي قلبهِ - قبلَ أَنْ يتحرَّكَ لسانهُ - معنًى يطلبُ العلوَّ، لاَ يلتفتُ يمنةً وَلاَ يسرةً.
وأمَّا القائلُ الذي يقولُ: «إنَّ الله تعالى لا ينحصرُ في مكانٍ» إنْ أرادَ بهِ أنَّ الله تعالى لا ينحصرُ في جوفِ المخلوقاتِ، وأنَّه لا يحتاجُ إلى شيءٍ منها، فقدْ أصابَ، وإنْ أرادَ أنَّ الله سبحانه وتعالى ليسَ فوقَ السمواتِ، ولا هوَ مستوٍ على العرشِ استواءً لائقًا بذاتهِ، وليسَ هناكَ إلهٌ يعبدُ، ومحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لم يعرجْ بهِ إلى اللهِ تعالى؛ فهذا جهميٌّ فرعونيٌّ معطِّلٌ.