ومنشأُ الضَّلالِ أنْ يظنَّ الظانُّ أنَّ صفاتِ الرَّبِّ سبحانهُ كصفاتِ خلقهِ، فيظنُّ أنَّ الله تعالى على عرشهِ، كالملكِ المخلوقِ على سريرهِ؛ فهذا تمثيلٌ وضلالٌ، وذلكَ أنَّ الملِكَ مفتقرٌ إلى سريره، ولو زالَ سريرهُ لسقطَ، واللهُ عزَّ وجلَّ غنيٌّ عَنِ العرشِ، وعنْ كلِّ شيءٍ، وكلُّ ما سواه محتاجٌ إليه، وهوُ حاملٌ العرشَ وحملةَ العرشِ، وعلوُّه عليهِ لا يوجبُ افتقارَهُ إليهِ، فإنَّ الله تعالى قدْ جعلَ المخلوقاتِ عاليًا وسافلًا، وجعلَ العالي غنيًّا عَنِ السَّافلِ، كمَا جعلَ الهواءَ فوقَ الأرضِ، وليسَ هو مفتقرًا إليهَا، وجعلَ السَّماءَ فوقَ الهواءِ، وليسَتْ محتاجةً إليهِ. فالعليُّ الأعلى ربُّ السمواتِ والأرضِ وما بينهمَا أولى أنْ يكون غنيًّا عَنِ العرشِ، وسائرِ المخلوقاتِ، وإنْ كانَ عاليًا عليهَا سبحانه وتعالى عمَّا يقولُ الظالمونَ علوًّا كبيرًا.

والنَّاسُ في هذا البابِ ثلاثةُ أصنافٍ: أهلُ الحلولِ والاتحادِ، وأهلُ النَّفيِ والجحودِ، وأهلُ الإيمانِ والتَّوحيدِ والسنَّةِ.

فأهلُ الحلولِ يقولونَ: إنَّه بذاتهِ في كلِّ مكانٍ، وقدْ يقولونَ بالاتحادِ والوحدةِ فيقولونَ: وجودُ المخلوقاتِ وجودُ الخالقِ ...

وأمَّا أهلُ النَّفيِ والجحودِ فيقولونَ: لا هوَ داخلُ العالمِ ولا خارجٌ ولا مباينٌ لهُ ولا حالٌّ فيهِ، ولا فوقَ العالمِ ولا فيهِ، ولا ينزلُ منهُ شيءٌ، ولا يصعدُ إليهِ شيءٌ، ونحو ذلكَ. وهذا قولُ متكلِّمةِ الجهميَّةِ المعطلِّةِ، كمَّا أنَّ الأوَّلَ قولُ عبَّادِ الجهميَّةِ؛ فمتكلِّمةُ الجهميَّةِ لا يعبدونَ شيئًا، ومتعبِّدةُ الجهميَّةِ يعبدونَ كلَّ شيءٍ، وكلامهم يرجعُ إلى التَّعطيلِ والجحودِ الذي هو قولُ فرعونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015