فيلزمهمْ أنْ يكونَ الرسولُ الذي تكلَّمَ بحديثِ النُّزولِ لم يدر هو ما يقولُ، ولا ما عنيَ بكلامه - وهو المتكلِّمُ بهِ ابتداءً. سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيمٌ وقدحٌ في الرسولِ. وهلْ قَدَرَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم حقَّ قَدْرِهِ مِنْ نسبَ كلامهُ إلى مثلِ ذلكَ.
ومعلومٌ أنَّ هذا نسبةٌ للرسولِ إلى التلبيسِ وعدمِ البيانِ، بلْ إلى كتمانِ الحقِّ وإضلالِ الخلقِ بل إلى التكلُّمِ بكلامٍ لا يُعْرفُ حقُّهُ منْ باطلهِ (?). فهل يجوزُ لعاقلٍ أنْ يظنَّ هذا بأحدٍ منْ عقلاءِ بني آدمَ؟ فضلًا عَنِ الأنبياءِ فضلًا عَنْ أفضلِ الأولينَ والآخرينَ، وأعلمِ الخلقِ، وأفصحِ الخلقِ، وأنصحِ الخلقِ للخلقِ صلى الله عليه وسلم؟ وهمْ معَ ذلكَ يدَّعونَ أنَّهم أهلُ السنَّةِ، وأنَّ هذا القولَ الذي يصفونَ بهِ الرسولَ وأمَّته هو قولُ أهلِ السُّنَّةِ.
ولا ريبَ أنَّهم لم يتصوَّروا حقيقةَ ما قالوه ولوازمَهُ. ولو تصوَّروا ذلكَ لعلموا أنَّهُ يلزمهم ما هو مِنْ أقبحِ أقوالِ الكفَّارِ في الأنبياءِ، وهم لا يرتضونَ مقالةَ منْ ينتقصُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولو تنقَّصهُ أحدٌ لاستحلُّوا قتلهُ، وهم مصيبونَ في استحلالِ قتلِ منْ يقدحُ في الأنبياءِ عليهم السلام، وقولهم يتضمَّنُ أعظمَ القدحِ؛ لكنْ لمْ يعرفوا ذلكَ، ولازمُ القولِ ليس بقولٍ، فإنَّهم لو عرفوا أنَّ هذا يلزمهم ما التزموه (?).
فالحقُّ الحقيقُ بالاتباعِ، الحريُّ بالاعتقادِ، النَّائي عَنِ الابتداعِ، الذي ينبغي عليهِ التعويلُ: أنْ نؤمنَ بأحاديثِ النزولِ، ونقول بظاهرهَا، ونمرُّها على فحواها الواضحةِ، ومبناها النَّاطقةِ، مَعَ اعتقادِ: التنزيهِ عنْ شبهِ الخلقِ، ونفي: المماثلةِ والكفاءةِ، كما أرشدنَا إلى هذا: ربُّنا تبارك وتعالى، الذي ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ، ويقولُ لعبادهِ مخاطبًا بما شاء.