وهذا يدلُّ عَلَى أنَّهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يبلِّغُهَا فِي كلِّ موطنٍ ومجمعٍ فكيفَ تكونُ حقيقتهَا محالًا وباطلًا وهوَ صلى الله عليه وسلم يتكلَّمُ بها دائمًا ويعيدهاَ ويبديهَا مَرَّةً بعدَ مرَّةٍ وَلاَ يقرنُ باللَّفظِ مَا يدلُّ عَلَى مجازهِ بوجهٍ مَا؛ بل يأتي بما يدلُّ عَلَى إرادةِ الحقيقةِ كقولهِ: «ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السّمَاءِ الدُنْيَا فيقولُ: وعزَّتي وجلالي لا أسألُ عنْ عبادي غيري» (?)، وقوله: «مَنْ ذا الّذي يسألُني فأعطيَه منْ ذا الَّذي يستغفرُني فأغفرَ لهُ، منْ ذا الَّذي يدعُوني فأستجيبَ له» وقولهِ: «فيكونُ كذلكَ حتَّى يطلعَ الفجرُ» (?)، فهذا كلُّه بيانٌ لإرادةِ الحقيقةِ ومانعٌ منْ حملهِ عَلَى المجازِ.
قالَ ابنُ القيَّم رحمه الله:
مَا كُلُّ هَذَا قَابِلُ التأويلِ بالتـ ... حْرِيفِ فَاسْتَحْيُوا مِنَ الرَّحْمَنِ
هَذَا وَأصْلُ بَلِيَّةِ الإسلامِ مِنْ ... تَأوِيلِ ذِ التَّحْرِيفِ والبُطْلاَنِ
وَلأجْلِهِ قَدْ قَالَ جَهْمٌ لَيْسَ رَبُّ ... العَرْشِ خَارِجَ هَذِهِ الأكْوَانِ
كلَّا ولا فَوقَ السَّمَواتِ العُلَى ... وَالعَرْشِ مِنْ رَبٍّ وَلاَ رَحْمَنِ
مَا فَوقَها رَبٌّ يُطَاعُ جِبَاهُنَا ... تَهْوِي لَهُ بِسُجُودِ ذِي خُضْعَانِ
وَلأجْلِهِ جُحدَتْ صفَاتُ كَمَاله ... وَالعَرْشَ أخْلَوْهُ مِنَ الرَّحْمَنِ
ولأَجْلِهِ قَدْ كَذَّبُوا بِنُزُولِهِ ... نَحْوَ السَّمَاءِ بِنِصْفِ لَيْلٍ ثَانِ
وَلأَجْلِهِ زَعَمُوا الكِتَابَ عِبَارَةً ... وَحِكَايةً عَنْ ذَلِكَ القُرْآنِ (?)
وأمَّا منْ قالَ: إنَّ حديثَ النزولِ لا يفهمُ منهُ شيءٌ؛ فهذا «ضلالٌ عظيمٌ، وهو أحدُ أنواعِ الضَّلال في كلامِ اللهِ والرسولِ صلى الله عليه وسلم، ظنُّ أهلِ التَّخييلِ، وظنُّ أهلِ التَّحريفِ، والتبديلِ، وظنُّ أهلِ التجهيلِ» (?).