ب - إنزالٌ مِنَ السَّمَاءِ كقولهِ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].
ج - إنزالٌ منهُ سبحانه وتعالى كقولهِ: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
فأخبرَ أنَّ القرآنَ منزلٌ منهُ، والمطرُ منزلٌ من السَّماءِ، والحديدُ منزلٌ نزولًا مطلقًا.
الوجهُ الثامنُ:
أنَّ الله سبحانه وتعالى قَالَ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] فالكتابُ كلامهُ والميزانُ عدلهُ فأخبرَ أنَّه أنزلهما مَعَ رسلهِ ثمَّ قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25] ولم يقلْ وأنزلنا معهمُ الحديدَ؛ فلمَّا ذكرَ كلامَهُ وعدلَهُ أخبرَ أنَّهُ أنزلهما مَعَ رسلهِ ولمَّا ذكرَ مخلوقَهُ النَّاصرَ لكتابهِ وعدلهِ أطلقَ إنزالهُ ولم يقيِّده بما قيَّدَ بهِ إنزالَ كلامهِ. فالمسوِّي بينَ الإنزالينِ مخطئٌ فِي اللَّفظِ والمعنى. وليسَ منْ ذوي الأذهانِ القويمةِ والأفكارِ المستقيمةِ.
وأمَّا قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6] فإنَّ الأنعامَ تُخلقُ بالتَّوالدِ المستلزمِ إنزال الذُّكورِ الماءَ منْ أصلابها إلى أرحامِ الإناثِ ولهذا يقالُ أنزلَ، ولمْ ينزلْ؛ ثمَّ إنَّ الأجنَّةَ تنزلُ منْ بطونِ الأمَّهاتِ إلى وجهِ الأرضِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ الأنعامَ تعلو فحولُهَا إناثهَا عندَ الوطءِ، وينزلُ ماءُ الفحلِ مِنْ علوٍّ إلى رحمِ الأنثى، وتلقي ولدَهَا عندَ الولادةِ منْ عُلوٍّ إلى سفلٍ.
الوجهُ التاسعُ:
أنَّ نزولَ الرَّبِّ تبارك وتعالى إلى السَّمَاء الدُّنْيَا قدْ تواترتِ الأخبارُ بهِ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رواهُ عنهُ نحو ثمانية وعشرين نفسًا مِنَ الصَّحابةِ.