ولكن حججَ النُّفاةِ مبناها على ألفاظٍ مجملةٍ موهمة، كما قالَ الإمامُ أحمدُ: يَتَكَلَّمُونَ بالمُتَشَابَهِ من الكَلاَمِ، ويلَبِّسونَ على جُهَّالِ النَّاسِ بما يُشَبِّهُونَ عليهم، حتى يَتَوَهَّمَ الجاهلُ أنهم يُعَظِّمونَ اللهَ، وهم إنَّما يقودهم قولُهم إلى فِرْيَةٍ على اللهِ (?).
فقدْ تبيَّنَ بهذا الكلامِ أنَّ المشتغلينَ بعلمِ الكلامِ «قدْ خالفوا صريحَ المعقولِ، وسلبوا الكمالَ عمَّنْ هوَ أحقُّ بالكمالِ منْ كلِّ ما سواهُ، ولمْ يكفهمْ ذلكَ حتَّى جعلوا الكمالَ نقصًا، وعدمهُ كمالًا، فعكسوا الأمرَ، وقلبوا الفطرَ، وأفسدوا العقولَ، فتأمَّل شبههم الباطلة، وخيالاتهم الفاسدة التي عارضوا بها الوحي هلْ تقاومُ الأدلَّةَ الدَّالَّةَ على إثباتِ العلوِّ والفوقيَّةِ للرَّبِّ سبحانه وتعالى؟ ثمَّ اخترْ لنفسكَ بعدُ ما شئتَ» (?).
وفي ختامِ الرّدِّ على الشُّبهاتِ نقولُ: إنَّ النُّصوصَ الدَّالَّةَ على علوِّ الله على خلقهِ كثيرةٌ منتشرةٌ، قد بهرت المتكلِّمين بكثرتها وقوَّتها، وليس معهم في نفي ذلكَ، لا عقلٌ صريحٌ، وَلاَ نقلٌ صحيحٌ. فهم يظنُّون أنَّ معهم عقلياتٍ، وإنَّما معهم جهلياتٌ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ *} [النور: 39] فهمْ لا يرجعونَ في قولهم إلى آيةٍ مِنَ التنزيلِ محكمةٌ، ولا روايةٌ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صحيحةٌ، فارقوا الدَّليلَ واتَّبعوا أهواءَ قومٍ قدْ ضلُّوا مِنْ قبلُ وأضلُّوا كثيرًا وضلُّوا عنْ سواءِ السَّبيل (?).