ولا يقالُ عندَ الإطلاقِ للفاكهةِ والطعامِ إذا حُوِّلَ منْ مكانٍ إلى مكانٍ: أنَّهُ تغيَّرَ. ويقولونَ: تغيَّرَ الهواءُ، إذا بردَ بعدَ السخونةِ، ولا يكادونَ يسمُّونَ مجرَّدَ هبوبهِ تغيُّرًا، وإنْ سمِّي بذلكَ فهم يفرِّقونَ بينَ هذا وهذا.
ولهذا لمْ يطلقْ على الصفةِ الملازمةِ للموصوفِ أنَّها مغايرةٌ لهُ، لأنَّهُ لا يمكنُ أنْ يستحيلَ عنهَا ولا يزايل.
والنَّاسُ إذا قيلَ لهم: التغيُّرُ على الله ممتنعٌ، فهموا منْ ذلكَ الاستحالةَ والفسادَ، مثلَ انقلابِ صفاتِ الكمالِ إلى صفاتِ نقصٍ، أو تفرُّقِ الذاتِ، ونحو ذلكَ ممَّا يجبُ تنزيهُ الله عنهُ. واللهُ أَجَلُّ وأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَخْطُرَ بِقُلُوبِ المُؤْمِنِينَ قيامُ القَبَائِحِ والآفَّاتِ والعُيوبِ به سبحانه وتعالى (?).
وأمَّا كونهُ سبحانهُ يتصرَّفُ بقدرتهِ، فيخلقُ، ويستوي، ويفعلُ ما يشاءُ بنفسهِ، ويتكلَّمُ إذا شاءَ، ونحو هذا، فهذا لا يسمُّونهُ تغيُّرًا. فإنَّ صفةَ الموصوفِ اللازمةِ لهُ لا تُسمَّى تغيُّرًا.
فالرَّبُّ تعالى لمْ يزلْ ولا يزالُ موصوفًا بصفاتِ الكمالِ، منعوتًا بنعوتِ الجلالِ والاكرامِ، وكمالهُ منْ لوازمِ ذاتهِ، فيمتنعُ أنْ يزولَ عنهُ شيءٌ منْ صفاتِ كمالهِ، ويمتنعُ أن يصيَر ناقصًا بعدَ كمالهِ.
و «هذا الأصلُ» عليهِ قولُ السلفِ، وأهلُ السنَّةِ: أنَّهُ لمْ يزلْ موصوفًا بصفاتِ الكمالِ، ولا يزالُ كذلكَ، فلا يكونُ متغيِّرًا، وهذا معنى قولِ منْ يقولُ: يا مَنْ يغيِّر، ولا يتغيَّر! (?).
وذكرَ البخاريُّ عنْ نُعيم بنِ حَمَّاد أنَّهُ قالَ: إنَّ العَرَبَ لا تعرف الحَيَّ من المَيِّتِ إلَّا بالفِعْلِ، فَمَنْ كان له فعلٌ فهو حَيٌّ، ومَنْ لم يَكُنْ له فِعْلٌ فهو مَيِّتٌ (?).