ونسأله سبحانه وتعالى أنْ لا يبتلينا بما ابتلاهم بهِ منْ مفارقةِ المنقولِ والمعقولِ وتلقِّي العلمِ واليقينِ منْ غيرِ مشكاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم (?).
* * *
اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ المعطِّلةَ ادَّعوْا أنَّ علوَّ الله سبحانه وتعالى مجازٌ فِي فوقيَّة الرُّتبةِ والقهرِ والقدْرِ كَمَا يقالُ: الذهبُ فوقَ الفضَّة، والأميرُ فوقَ الوزيرِ، والدينارُ فوقَ الدرهمِ، والمسكُ فوقَ العنبرِ أي في القيمةِ والقدرِ.
قال ابنُ القيِّم رحمه الله:
وَالفَوْقُ وَصفٌ ثَابِتٌ بِالذَّاتِ مِنْ ... كُلِّ الوُجُوهِ لِفَاطِرِ الأكْوَانِ
لَكِن نُفَاةَ الفَوْقِ مَا وَافُوا بِهِ ... جَحَدُوا كَمَالَ الفَوْقِ لِلدَّيَّانِ
بَلْ فَسَّرُوهُ بِأن قَدْرَ الله أعْـ ... ـلَى لاَ بِفَوْق الذَّات للِرَّحْمَنِ
قَالُوا وَهَذَا مِثْل قَوْلِ النَّاسِ فِي ... ذَهَبٍ يُرَى مِن خَالِص العِقْيَانِ
هُو فَوْقَ جِنْسِ الفِضةِ البَيْضَاء لاَ ... بِالذَّاتِ بَلْ فِي مُقْتَضَى الأثْمَانِ
وَالفَوْقُ أنْوَاع ثَلاَث كُلُّهَا ... لله ثَابِتةٌ بِلاَ نُكْرَانِ
هَذَا الذِي قَالُوا وَفَوْقُ القَهْرِ وَالْـ ... فَوْقِيةُ العُلْيَا عَلَى الأكْوَانِ (?)
وعلوُّ القدرِ والقهرِ وإنْ كان ثابتًا للرَّبِّ سبحانه وتعالى لكنَّ إنكارَ حقيقةِ فوقيَّته سبحانه وتعالى وحملهَا عَلَى المجازِ باطلٌ منْ وجوهٍ عديدةٍ:
أحدُها:
أنَّ الأصلَ الحقيقةُ والمجازُ على خلافِ الأصْلِ. والقولُ بالمجازِ في الصِّفاتِ، يفضي بصاحبهِ إلى تكذيبِ النُّصوصِ الصَّريحةِ الصَّحيحةِ المحكمةِ، المفهومةِ اللَّفظِ، المعقولةِ المعنى.