إنَّ الله سبحانه وتعالى الموصوفَ بصفاتِ المجدِ والكبرياءِ والعظمةِ والجلالِ، «أكْبرُ منْ كلِّ شيءٍ ذاتًا وقدْرًا ومعنًى وعزَّةً وجلالةً، فهوَ أكْبرُ مِنْ كلِّ شيءٍ في ذاتهِ وصفاتهِ وأفْعالهِ كمَا هوَ فوقَ كلِّ شيءٍ، وعالٍ على كلِّ شيءٍ، وأعظمُ مِنْ كلِّ شيءٍ، وأجلُّ منْ كلِّ شيءٍ في ذاتهِ وصفاتهِ وأفْعالهِ (?). فهوَ الحيُّ القيُّومُ الذي ليسَ كمثلهِ شيءٌ في حياتهِ وقيُّوميَّتهِ، العليُّ الذي ليسَ كمثلهِ شيءٌ في علوِّهِ بلْ هوَ منفردٌ بذاتهِ وصفاتهِ عنْ مماثلةِ مخلوقاتهِ، فلهُ أعظمُ المباينةِ وأجلُّها وأكملُها كما لهُ منْ كلِّ صفةِ كمالٍ أعظمُها وأكملُها» (?).
والقائلُ الذي قالَ: لو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا، وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ، ونحو ذلكَ مِنَ الكلامِ: فإنَّه لمْ يفهمْ منْ كونِ الله على العرشِ إلَّا ما يثبتُ لأيِّ جسمٍ كانَ على أيِّ جسمٍ كانَ، وهذا اللازمُ تابعٌ لهذا المفهومِ، أمَّا استواءٌ يليقُ بجلالِ الله تعالى ويختصُّ بهِ، فلا يلزمهُ شيءٌ مِنَ اللَّوازمِ الباطلةِ، التي يجبُ نفيهَا، كما يلزمُ منْ سائرِ الأجسامِ. وصارَ هذا مثلُ قولِ الممثِّلِ: إذا كان مستويًا على العرشِ فهوَ مماثلٌ لاستواءِ الإنسانِ على السريرِ أو الفلكِ، إذْ لا يُعلمُ الاستواءُ إلَّا هكذا فإنَّ كليهما مثَّلَ وكليهما عطَّلَ حقيقةَ ما وصفَ بهِ نفسَهُ، وامتازَ الأوَّلُ بتعطيلِ كلِّ اسمٍ للاستواء الحقيقيِّ، وامتازَ الثاني بإثباتِ استواءٍ هوَ منْ خصائصِ المخلوقينَ (?).