«وحينئذٍ فنفاةُ العلوِّ همْ بينَ أمرينِ: إنْ سلَّموا أنَّه على العرشِ مَعَ أنَّهُ ليسَ بجسمٍ ولا متحيِّزٍ بطلَ كلُّ دليلٍ لهم على نفي علوِّه على عرشهِ؛ فإنَّهم إنَّما بنوا ذلكَ على أنَّ علوَّهُ على العرشِ مستلزمٌ لكونهِ جسمًا متحيِّزًا، واللازمُ منتفٍ فينتفي الملزومُ؛ فإذا لم تثبت الملازمةُ لم يكنْ لهم دليلٌ على النفي، ولا يبقى للنُّصوصِ الواردةِ في الكتابِ والسُّنَّةِ بإثباتِ علوِّهِ على العالمِ ما يعارضهَا، وهذا هوَ المطلوبُ» (?).
واعلمْ أنَّهُ ليسَ في العقلِ الصَّريحِ ولا في شيءٍ مِنَ النَّقلِ الصَّحيحِ ما يوجبُ مخالفةَ الطريقَ السَّلفيةَ أصلًا.
ثمَّ المخالفونَ للكتابِ والسُّنَّةِ وسلفِ الأمَّةِ - مِنَ المتأوِّلينَ لهذا البابِ - في أمرٍ مريجٍ؛ فإنَّ منْ أنكرَ الرؤيةَ يزعمُ أنَّ العقلَ يحيلُهَا، وأنَّهُ مضطرٌ فيهَا إلى التأويلِ، ... ومنْ يزعمُ أنَّ الله ليسَ فوقَ العرشِ؛ يزعمُ أنَّ العقلَ أحالَ ذلكَ وأنَّهُ مضطرٌ إلى التأويلِ.
ويكفيكَ دليلًا على فسادِ قولِ هؤلاءِ: أنَّه ليسَ لواحدٍ منهم قاعدةٌ مستمرةٌ فيما يحيلهُ العقلُ، بلْ منهمْ منْ يزعمُ أنَّ العقلَ جوَّزَ وأوجبَ، ما يدَّعي الآخرُ أنَّ العقلَ أحالهُ (?). يعرفُ هذا كلُّ منصفٍ، ومنْ أنكرهُ فليصفِّ فهمهُ وعقلهُ عنْ شوائبِ التعصُّبِ والتمذهُّبِ؛ فإنَّهُ إنْ فعلَ ذلك أسفرَ الصبحُ لعينيهِ (?).