الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ
لو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ.
اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ «طريقةَ سلفِ الأمَّةِ وأئمَّتها: أنَّهم يصفونَ الله بما وصفَ بهِ نفسهُ وبما وصفهُ بهِ رسولهُ: منْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ: إثباتٌ بلا تمثيلٍ، وتنزيهٌ بلا تعطيلٍ، إثباتُ الصفاتِ، ونفيُّ مماثلةِ المخلوقاتِ، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فهذا ردٌّ على الممثِّلةِ {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ردٌّ على المعطِّلةِ» (?). وهذهِ: معالجةٌ: لسقمِ الأوهامِ، ودواءٌ لداءِ الأسقامِ، وشفاءٌ لأوامِ الجهلِ: على وجهِ الكمالِ والتمامِ (?).
ومنْ فهمَ هذه الآيةَ الكريمةَ حقَّ فهمها، وتدبَّرها حقَّ تدبُّرها مشى بها عندَ اختلافِ المختلفينَ في الصِّفاتِ على طريقةٍ بيضاءَ واضحةٍ، ويزدادُ بصيرةً إذا تأمَّلَ معنى قولهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فإنَّ هذا الإثباتَ بعدَ ذلكَ النَّفيَّ للمثلِ، قَدِ اشتملَ على بردِ اليقينِ، وشفاءِ الصُّدورِ، وانثلاجِ القلوبِ.
فاقدرْ يا طالبَ الحقِّ قدرَ هذهِ الحجَّةِ النيِّرةِ، والبرهانِ القويِّ، فإنَّك تحطِّمُ بها كثيرًا مِنَ البدعِ، وتهشِّمُ بها رؤوسًا مِنَ الضلالةِ، وترغِمُ بها آنافَ طوائفَ مِنَ القاصرينَ المتكلِّفينَ، والمتكلِّمينَ المتأوِّلينَ، ولا سيِّما إذا ضممتَ إليهِ قولَ الله سبحانهُ: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] فإنَّكَ حينئذٍ قدْ أخذتَ بطرفي حبلِ ما يسمُّونهُ علمُ الكلامِ وعلمُ أصولِ الدِّينِ (?).
والردُّ على الشُّبهةِ المذكورةِ أنْ يقالَ: