وكذلكَ أمثالُ ذلكَ منْ إحاطةِ المخلوقِ ببعضِ المخلوقاتِ، كإحاطةِ الإنسانِ بما في جوفهِ، وإحاطةِ البيتِ بما فيهِ، وإحاطةِ السَّماءِ بما فيهَا مِنَ الشَّمسِ والقمرِ والكواكبِ، فإذا كانتْ هذهِ المحيطاتُ لا يجوزُ أنْ يُقالَ: إنَّها تحتَ المحاطِ، وأنَّ ذلك نقصٌ، مَعَ كونِ المحيطِ يحيطُ بهِ غيرُهُ، فالعليُّ الأعلى المحيطُ بكلِّ شيءٍ، الذي تكونُ الأرضُ جميعًا قبضتهُ يومَ القيامةِ والسَّماواتُ مطوياتٌ بيمينهِ، كيفَ يجبُ أنْ يكونَ تحتَ شيءٍ ممَّا هوَ عالٍ عليهِ أو محيطٌ بهِ، ويكونُ ذلكَ نقصًا ممتنعًا؟!
وقدْ ذكرَ أنَّ بعضَ المشايخِ سُئِلَ عنْ تقريبِ ذَلِكَ إِلَى العقلِ، فقالَ للسَّائلِ: إِذَا كَانَ باشقٌ كبيرٌ، وقدْ أمسكَ برجلهِ حمصةً أليسَ يكونُ ممسكًا لها فِي حالِ طيرانهِ، وَهُوَ فوقهَا ومحيطٌ بِهَا؟ فإذا كانَ مثلُ هذا ممكنًا في المخلوقِ، فكيفَ يتعذَّرُ في الخالقِ؟! (?).
فقدْ تبيَّنَ بهذا الكلامِ «أنَّ ما يدَّعونهُ مِنَ العقلياتِ المخالفةِ للنُّصوصِ لا حقيقةَ لهَا عندَ الاعتبارِ الصَّحيحِ، وإنَّما هي منْ بابِ القعقعةِ بالشنانِ لمن يفزعهُ ذلكَ مِنَ الصبيانِ ومنْ هوَ شبيهٌ بالصبيانِ وإذا أُعْطيَ النَّظرُ في المعقولاتِ حقَّهُ مِنَ التَّمامِ، وجدهَا براهينَ ناطقةً بصدقِ ما أخبرَ بهِ الرَّسولُ، وأنَّ لوازمَ ما أخبرَ بهِ لازمٌ صحيحٌ، وأنَّ منْ نفاهُ نفاهُ لجهلهِ بحقيقةِ الأمرِ» (?).