الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُ
لو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ (?).
أقول وبالله التوفيق: هنا ثلاثُ مقدِّماتٍ حصلَ فيها التَّلبيسُ:
أحدُها: كونُ كلِّ عالٍ جسمًا.
والثاني: كونُ الأجسامِ متماثلةٌ.
والثالثُ: كونُ هذا التماثلِ هو المرادُ بالمثلِ في لغةِ العربِ التي نزلَ بها القرآن (?).
والجوابُ على الشُّبهةِ المذكورةِ منْ وجوهٍ:
الأولُ:
قَدِ ادَّعيتَ أيُّها الجهميُّ أنَّ ظاهرَ القرآنِ، الذي هوَ حجَّةُ الله على عبادهِ، والذي هو خيرُ الكلامِ، وأصْدقُهُ، وأحْسنُهُ، وأفْصحُهُ، وهوَ الذي هدى الله بهِ عبادَهُ، وجعلَهُ شفاءً لما في الصُّدورِ، وهدًى ورحمةً للمؤمنينَ، ولمْ ينزلْ كتابٌ مِنَ السَّماءِ أهدى منهُ، ولا أحْسنَ ولا أكْملَ، فانتهكْتَ حرمتَهُ، وادَّعيتَ أنَّ ظاهرَهُ يستلزمُ التَّشبيهَ والتَّجسيم (?). وهذا الإلزامُ إنَّما هوَ لمنْ جاءَ بالنُّصوصِ الدَّالةِ على علوِّ الله على العرشِ، وتكلَّم بهَا، ودعَا الأمَّةَ إلى الإيمانِ بهَا ومعْرفتِهَا، ونهاهم عنْ تحْريفِهَا وتبديلِهَا.
يَا قَوْمُ واللهِ العَظِيمِ أَسَأْتُمُ ... بِأَئِمَّةِ الإسْلاَمِ ظَنَّ الشَّانِ
مَا ذَنْبُهُمْ وَنَبِيُّهُمْ قَدْ قَالَ مَا ... قَالوا كَذَلكَ مُنْزِلُ الفُرْقَانِ
مَا الذَّنبُ إلاّ للنصُوصِ لَديكمُ ... إِذْ جَسَّمَتْ بَلْ شَبَّهتْ صِنْفَانِ