الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ
لَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا.
هؤلاءِ النُّفاةِ يوهمونَ عامَّةَ المسلمينَ أنَّ مقصودَهم تنزيهُ الله عنْ أنْ يكونَ محصورًا في بعضِ المخلوقاتِ، [أو مفتقرًا إلى مخلوق]، ويفترونَ الكذبَ على أهلِ الإثباتِ أنَّهم يقولونَ ذلكَ، كقولِ بعضهم أنَّهم يقولونَ إنَّ الله في جوفِ السَّمواتِ، إلى أمثالِ هذهِ الأكاذيبِ التي يفترونها على أهلِ الإثباتِ، فيخدعونَ بذلكَ جهَّالَ النَّاسِ، فإذا وقعَ الاستفصالُ والاستفسارُ، انكشفتِ الأسرارُ، وتبيَّنَ الليلُ مِنَ النَّهارِ، وتميَّزَ أهلُ الإيمانِ واليقينِ منْ أهلِ النِّفاقِ المُدَلِّسِينَ، الذين لَبَّسُوا الحقَّ بالباطلِ، وكتموا الحقَّ وهمْ يعلمون (?).
والردُّ على الشبهةِ المذكورةِ أنْ يقالَ:
من توهَّمَ أنَّ كونَ اللهِ في السَّمَاءِ بمعنى أنَّ السَّمَاءَ تحيطُ بهِ وتحويهِ فهوَ كاذبٌ - إنْ نقلهُ عنْ غيرهِ - وضالٌّ - إن اعتقدهُ في ربِّهِ - ومَا سمعنا أحدًا يفهمُ هذا مِنَ اللَّفظِ، ولا رأينَا أحدًا نقلهُ عنْ واحدٍ، ولوْ سئلَ سائرُ المسلمينَ هل تفهمونَ مِنْ قولِ اللهِ ورسولهِ «إنَّ الله في السَّماء» أنَّ السَّماءَ تحويهِ لبادرَ كلُّ واحدٍ منهم إلى أنْ يقولَ: هذا شيءٌ لعلَّهُ لمْ يخطرْ ببالنَا.
وإذا كانَ الأمرُ هكذا: فَمِنَ التكلُّفِ أنْ يُجعلَ ظاهرُ اللَّفظِ شيئًا محالًا لا يفهمهُ النَّاسُ منهُ، ثمَّ يريدُ أنْ يتأوَّلهُ، بلْ عندَ النَّاسِ «إنَّ الله في السَّماء» «وهو على العرشِ» واحدٌ، إذِ السَّماءُ إنَّما يرادُ بهِ العلوُّ، وكلُّ مَا علا فهوَ سماء. يقال: سما، يسمو، سموًّا، أي: علا، يعلو، علوًّا.
فإذا قيلَ: نزلَ المطرُ مِنَ السَّماءِ، كانَ نزولهُ مِنَ السَّحابِ.
وإذا قيلَ: العرشُ والجنَّةُ في السَّماءِ، لا يلزمُ منْ ذلكَ أنْ يكونَ العرشُ داخلَ السَّمواتِ، بلْ ولا الجنَّةِ.