لا نسلِّمُ أنَّ مَنْ حملَ العرشَ يجبُ أنْ يحملَ مَا فوقهُ إلَّا أنْ يكونَ مَا فوقهُ معتمدًا عليهِ، وإلَّا فالهواءُ فوقَ الأرضِ وليسَ محتاجًا إليهَا، وكذلكَ السَّحابُ فوقهَا وليس محتاجًا إليهَا، وكذلكَ السَّماواتُ فوقَ الأرضِ وليستْ الأرضُ حاملةً السَّماواتِ، وكلُّ سماءٍ فوقها سماءٌ، وليسَ السفلى حاملةً للعليا، وكذلكَ السَّمواتُ فوقَ السَّحابِ والهواءِ والأرضِ، وليستْ محتاجةً إلى ذلكَ، وكذلكَ العرشُ فوقَ السَّمواتِ وليسَ محتاجًا إليهَا، فإذا كانَ كثيرٌ مِنَ الأمورِ العاليةِ فوقَ غيرهَا ليسَ محتاجًا إليها فكيفَ يجبُ أنْ يكونَ «العليُّ الأعلى» خالقُ الخلقِ الغنيُّ الصَّمدُ محتاجًا إلى ما هو عالٍ عليهِ وهو فوقهُ، مَعَ أنَّهُ هوَ خالقهُ وربُّهُ ومليكُهُ، وذلكَ المخلوقُ بعضُ مخلوقاتهِ، مفتقرٌ في كلِّ أمورهِ إليهِ. فإذا كان المخلوقُ إذا علا على كلِّ شيءٍ غنيٌّ عنهُ لمْ يجبْ أنْ يكونَ محتاجًا إليهِ فكيفَ يجبُ على الرَّبِّ إذا علا على كلِّ شيءٍ منْ مخلوقاتهِ وذلكَ الشيءُ مفتقرٌ إليه أنْ يكونَ الله محتاجًا إليهِ (?)؟!
وأصحابُ التلبيسِ واللَّبسِ لا يميِّزونَ هذا التمييزَ، ولا يفصِّلونَ هذا التفصيلَ، ولو ميَّزوا وفصَّلوا لهدوا إلى سواءِ السَّبيلِ، وعلموا مطابقةَ العقلِ الصَّريحِ للتنزيلِ ولسلكوا خلفَ الدليلِ، ولكنْ فارقوا الدليلَ وضلُّوا سواءَ السَّبيلِ (?).