قيلَ: إذا لم يكنْ إلَّا خالقٌ أو مخلوقٌ، والخالقُ بائنٌ مِنَ المخلوقِ، كانَ هو الظاهرُ الذي ليسَ فوقهُ شيءٌ.

وإذا قالَ القائلُ: هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؛ فهذا المعنى حقٌّ سواء سمَّيتَ ذلكَ مكانًا أوْ لمْ تسمِّه.

وإذا عُرف المقصودُ فمذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ ما دلَّ عليهِ الكتابُ والسنَّةُ واتَّفقَ عليه سلفُ الأمَّةِ، وهو القول المطابقُ لصحيحِ المنقولِ وصريحِ المعقول (?).

قالَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله: «وحقيقةُ الأمرِ في المعنى أنْ يُنظرَ إلى المقصودِ، فَمَنِ اعتقدَ أنَّ المكانَ لا يكونُ إلَّا ما يفتقرُ إليهِ المتمكنُ، سواءُ كانَ محيطًا به، أو كانَ تحتهُ، فمعلومٌ أنَّ الله سبحانه ليسَ في مكانٍ بهذا الاعتبارِ، ومَنِ اعتقدَ أنَّ العرشَ هو المكانُ، وأنَّ الله فوقهُ، مع غناه عنهُ، فلا ريبَ أنَّهُ في مكانٍ بهذا الاعتبارِ.

فممَّا يجبُ نفيهُ بلا ريبٍ افتقارُ الله تعالى إلى ما سواه، فإنَّهُ سبحانهُ غنيٌّ عنْ ما سواهُ، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليهِ، فلا يجوزُ أن يُوصفَ بصفةٍ تتضمَّنُ افتقارَهُ إلى ما سواه» (?).

ثمَّ نقولُ: لا نسلِّمُ كونَ الباري على عرشهِ فوقَ السَّماواتِ يلزمُ منهُ أنَّهُ في حيِّزٍ وجهةٍ، لأنَّ العرشَ سقفُ جميعِ المخلوقاتِ، فما فوقهُ لا يسمَّى جهةً، وما دونَ العرشِ يقالُ فيهِ حيِّزٌ وجهاتٌ، وما فوقهُ فليسَ هوَ كذلكَ، والله فَوْقَ عَرْشِهِ كما أجمعَ عليهِ الصَّدرُ الأوَّلُ ونقلهُ عنهم الأئمَّةُ.

ولو سلَّمنا أنَّه يلزمُ منْ إثباتِ العلوِّ إثباتُ الجهةِ، فلازمُ الحقِّ حقٌّ، فما استلزمهُ صريحُ الآياتِ والأحاديثِ فهوَ حقٌّ بلا خلافٍ عندَ أهلِ السنَّةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015