ومنْ قالَ: إنَّ الله تعالى ليسَ في جهةٍ. قيلَ لهُ ما تريدُ بذلكَ؟ فإنْ أرادَ بذلكَ أنَّه ليسَ فوقَ السَّمواتِ ربٌّ يعبدُ، ولا على العرشِ إلهٌ، ونبيُّنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لمْ يعرجْ بهِ إلى الله تعالى، والأيدي لا ترفعُ إلى الله تعالى في الدُّعاءِ، ولا تتوجَّهُ القلوبُ إليهِ، ولا تصعدُ الملائكةُ إليهِ، ولا تنزلُ الكتبُ منهُ، ولا يقربُ منهُ شيءٌ، ولا يدنو إلى شيءٍ، فهذا فرعونيٌّ معطِّلٌ، جاحدٌ لربِّ العالمينَ. ومنْ نفى الجهةَ وأراد بالنَّفي كون المخلوقات محيطةً بهِ أو كونه مفتقرًا إليها فهذا حقٌّ.
وكذلكَ منْ قال: إنَّ الله تعالى متحيِّزٌ، أو قالَ ليس بمتحيِّزٍ، إنْ أرادَ بقولهِ متحيِّزٌ أنَّ المخلوقاتِ تحوزهُ وتحيطُ بهِ، وليسَ هو بقدرتهِ يحملُ العرشَ وحملتهُ، وليسَ هو العليٌّ الأعلى الكبيرُ العظيمُ الذي لا تدركهُ الأبصارُ وهوَ يدركُ الأبصارَ، فقدْ أخطأَ. وإنْ أرادَ بهِ أنه منحازٌ عَنِ المخلوقاتِ مباينٌ لها عالٍ عليهَا فوق سمواتهِ على عرشهِ بائنٌ منْ خلقهِ، فقدْ أصابَ. ومنْ قالَ: ليس بمتحيِّزٍ؛ إنْ أرادَ المخلوقاتُ لا تحوزهُ فقدْ أصابَ. وإنْ أرادَ ليسَ ببائنٍ عنهَا بلْ هوَ لا داخلٌ فيها ولا خارجٌ عنها فقدْ أخطأ.
ومنْ قالَ بنفي المكانِ عَنِ الله عزَّ وجلَّ، فقد يُراد بالمكانِ ما يحوي الشيءَ ويحيطُ به، وقد يرادُ بهِ ما يستقرُّ الشَّيءُ عليه بحيثُ يكونُ محتاجًا إليهِ، وقدْ يرادُ بهِ ما كانَ الشيءُ فوقَهُ وإن لم يكنْ محتاجًا إليهِ، وقدْ يرادُ بهِ ما فوق العالم وإن لم يكن شيئًا موجودًا.
فإنْ قيلَ: هو في مكانٍ بمعنى إحاطة غيرهِ بهِ وافتقارهُ إلى غيرهِ؛ فالله منزَّهٌ عَنِ الحاجةِ إلى الغيرِ وإحاطةِ الغيرِ بهِ ونحو ذلكَ.
وإنْ أريدَ بالمكانِ ما فوق العالمِ وما هو الرَّبُّ فوقهُ.