فإذا قالَ القائلُ: إنَّ الله تعالى في جهةٍ، قيلَ ما تريدُ بذلكَ؟ أتريدُ بذلكَ أنَّهُ سبحانهُ في جهةٍ موجودةٍ تحصرهُ وتحيطُ بهِ وتعلو عليهِ، أو يحتاجُ إليها بوجهٍ مِنَ الوجوهِ، مثلَ أنْ يكونَ في جوفِ السَّمواتِ، أمْ تريدُ بالجهةِ أمرًا عدميًّا وهوَ ما فوقَ العالمِ، فإنَّه ليسَ فوقَ العالمِ شيءٌ مِنَ المخلوقاتِ، فإنْ أردتَ الجهةَ الوجوديَّةَ، وجعلتَ الله تعالى محصورًا في المخلوقاتِ فهذا باطلٌ. فكلُّ موجودٍ سوى الله فهو مخلوقٌ، والله خالقُ كلِّ شيءٍ، وكلُّ ما سواه فهو فقيرٌ إليه، وهو غنيٌّ عمَّا سواهُ. وإنْ أردتَ الجهةَ العدميَّةَ، وأردتَ الله تعالى وحدَهُ فوقَ المخلوقاتِ بائنٌ عنها، فهذا حقٌّ، وليسَ في ذلكَ أنَّ شيئًا مِنَ المخلوقاتِ حصرهُ ولا أحاطَ بهِ ولا علاَ عليهِ، بلْ هوَ العالي عليهَا المحيطُ بها، وقدْ قالَ تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] الآية.
وقدْ ثبتَ في الصَّحيحِ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقْبِضُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ ويَطْوِي السَّمواتِ بِيَمِينِهِ، ثمَّ يَهُزُّهُنَّ فيقولُ: أنا المَلِكُ أينَ ملوكُ الأَرْضِ» (?).