والمقصودُ هنا: أنَّهم لا بدَّ أنْ يسألوهُ عنْ ربِّهم الَّذي يعبدونهُ، وإذا سألوهُ فلا بدَّ أنْ يجيبهم. ومِنَ المعلومِ بالاضطرارِ أنَّ مَا تقولهُ الجهميَّةُ النُّفاةُ لمْ يُنْقَلْ عنْ أحدٍ منْ أهلِ التَّبليغِ عنهُ، وإنَّما نقلوا عنهُ مَا يوافقُ قولَ أهلِ الإثباتِ.
الوجهُ الرابعُ:
أنْ يقالَ: إمَّا أنْ يكونَ الله يحبُّ منَّا أنْ نعتقدَ قولَ النُّفاةِ، أو نعتقدَ قولَ أهلِ الإثباتِ، أو لا نعتقدُ واحدًا منهما.
فإنْ كان مطلوبهُ منَّا اعتقادَ قولِ النُّفاةِ: وهو أنَّهُ لا داخلَ العالمِ وَلاَ خارجهُ؛ وأنَّهُ ليسَ فوقَ السَّماواتِ ربٌّ، وَلاَ عَلَى العرشِ إلهٌ، فالصَّحابةُ والتَّابعونَ أفضلُ منَّا، فقدْ كانوا يعتقدونَ هَذَا النَّفيَ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم كانَ يعتقدهُ، وإذا كانَ اللهُ ورسولهُ يرضاهُ لنا وهوَ إمَّا واجبٌ علينا أو مستحبٌّ لنا؛ فلا بدَّ أنْ يأمرنا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بما هو واجبٌ علينا، ويندبنَا إلى مَا هوَ مستحبٌّ لنَا، وَلاَ بدَّ أن يظهر عنهُ وعنِ المؤمنينَ مَا فيهِ إثباتٌ لمحبوبِ الله ومرضيهِ وما يقرِّبُ إليهِ؛ لا سيَّما مَعَ قولهِ عزَّ وجلَّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3].
وإذا كانَ كذلكَ: كانَ مِنَ المعلومِ أنَّهُ لا بدَّ أن يبيِّنَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم؛ وقدْ عُلمَ بالاضطرارِ أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ لم يتكلَّموا بمذهبِ النُّفاةِ. فعُلمَ أنَّهُ ليسَ بواجبٍ وَلاَ مستحبٍّ؛ بلْ علمَ أنَّهُ ليسَ مِنَ «التوحيدِ» الّذي شرعهُ الله تعالى لعبادهِ.