أنْ يقالَ: كلُّ منْ فيهِ أدنى محبَّةٍ للعلمِ أو أدنى محبَّةٍ للعبادةِ: لا بدَّ أنْ يكونَ البحثُ عنْ هذا البابِ والسؤالُ عنهُ، ومعْرفةُ الحقِّ فيهِ، أكبرَ مقاصدهِ، وأعْظمَ مطالبهِ، وأجلَّ غاياته أعني بيانُ ما ينْبغي اعْتقادهُ في الرَّبِّ عزَّ وجلَّ، - الذي معرفتهُ أجلُّ المقاصدِ، وأرفعُ المواهبِ، وأعظمُ المطالبِ ـ، فلا يُتصوَّرُ أنْ يكونَ الصَّحابةُ - الذين هممهمْ أشْرفُ الهممِ، ومطالبهمْ أجلُّ المطالبِ، ونفوسهمْ أزكى النُّفوسِ - والتَّابعونَ كلُّهم كانوا معرضينَ عنْ هَذَا لا يسألونَ عنهُ، وَلاَ يشتاقونَ إلى معرفتهِ، وَلاَ تطلبُ قلوبهم الحقَّ، وهمْ ليلًا ونهارًا يتوجَّهونَ بقلوبهمْ إليهِ، ويدْعونهُ تضرُّعًا وخيفةً، ورغبًا ورهبًا، والقلوبُ مجبولةٌ مفطورةٌ عَلَى طلبِ العلمِ بهذا، ومعرفةِ الحقِّ فيه، وهي مشتاقةٌ إليهِ أكثرَ منْ شوقهَا إلى كثيرٍ مِنَ الأمورِ، ومَعَ الإرادةِ الجازمةِ والقدرةِ يجبُ حصولُ المرادِ، وهم قادرونَ عَلَى سؤالِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وسؤالِ بعضهم بعضًا. وقد سألوهُ عمَّا هوَ دونَ هَذَا: سألوهُ هل نرى ربَّنا يومَ القيامةِ؟ فأجابهم. وسألهُ أبو رزين: أيضحكُ ربُّنا؟ فقالَ: «نعمْ». فقال: «لَنْ نُعْدَمَ من ربٍّ يضحكُ خيرًا» (?). «فجعلَ الأعْرابيُّ العاقل - بصحةِ فطْرتهِ - ضَحِكَهُ دليلًا على إحْسانهِ وإنْعَامهِ؛ فدلَّ على أنَّ هذا الوصفَ مقرونٌ بالإحسانِ المحمودِ، وأنَّهُ منْ صفاتِ الكمالِ» (?). ولو لمْ يفهمْ منْ ضحكه سبحانه وتعالى معنًى لمْ يقلْ ما قال.