وإنْ كانَ يحبُّ منَّا مذهبَ الإثباتِ؛ وهو الَّذي أمرنَا بهِ؛ فلا بدَّ أيضًا أنْ يبيِّنَ ذلكَ لنا. ومعلومٌ أنَّ فِي الكتابِ والسنَّةِ منْ إثباتِ «العلوِّ والصِّفاتِ» أعظم ممَّا فيهما منْ إثباتِ الوضوءِ والتَّيمُّمِ، والصِّيامِ، وتحريمِ ذواتِ المحارمِ؛ وخبيثِ المطاعمِ؛ ونحو ذلكَ مِنَ «الشَّرائعِ». فعلى قولِ أهلِ الإثباتِ يكونُ الدِّينُ كاملًا، والرسولُ صلى الله عليه وسلم مبلِّغًا مبيِّنًا؛ والتوحيدُ عَنِ السَّلفِ مشهورًا معروفًا، والكتابُ والسنَّةُ يُصَدِّقُ بعضُهُ بعضًا؛ والسّلفُ خيرُ هذهِ الأمَّةِ وطريقهم أفضلُ الطُّرقِ، والقرآنُ كلُّهُ حقٌّ ليسَ فيه إضلالٌ، وَلاَ دلَّ عَلَى كفرٍ ومحالٍ؛ بل هو الشِّفاءُ والهدى والنُّورُ. وهذه كلُّها لوازمٌ ملتزمةٌ ونتائجٌ مقبولةٌ؛ فقولهم مؤتلفٌ غيرُ مختلفٍ، ومقبولٌ غيرُ مردودٍ.
وإنْ كانَ الَّذي يحبُّهُ الله منَّا أنْ لا نثبتَ وَلاَ ننفي؛ بل نَبْقَى فِي الجهلِ البسيطِ، وفي ظلماتٍ بعضُهَا فوقَ بعضٍ، لا نعرفُ الحقَّ مِنَ الباطلِ وَلاَ الهدى مِنَ الضَّلالِ، وَلاَ الصِّدقَ من الكذبِ؛ بل نقفُ بينَ المثبتةِ والنُّفاةِ موقفَ الشَّاكينَ الحَيَارى {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ} [النساء: 143]؛ لا مصدِّقينَ وَلاَ مكذِّبينَ: لزمَ مِنْ ذلكَ أنْ يكونَ الله يحبُّ منَّا عدمَ العلمِ بما جاءَ بهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وعدمَ العلمِ بما يستحقُّهُ الله سبحانه وتعالى مِنَ الصِّفاتِ التَّاماتِ، وعدمَ العلمِ بالحقِّ مِنَ الباطلِ، ويحبُّ منَّا الحَيْرةَ والشَّكَّ.
ومِنَ المعلومِ أنَّ الله لا يحبُّ الجهلَ، وَلاَ الشكَّ، وَلاَ الحيرةَ، وَلاَ الضَّلالَ؛ وإنَّما يحبُّ الدِّينَ والعلمَ واليقينَ.