(الرابعةُ): أن يكونَ أشْرفُ الكتبِ (?) وأشْرفُ الرسلِ قدْ قصَّرَ في هذا البابِ غايةَ التَّقْصيرِ، بلْ أفْرطَ في التَّجسيمِ والتَّشبيهِ غايةَ الإفْراطِ، وتنوَّعَ فيهِ غايةَ التنوعِ بأنْواعٍ متنوعةٍ مِنَ الخطابِ، تارةً بأنَّهُ استوى على عرْشهِ، وتارةً بأنَّه فوقَ عبادهِ، وتارةً بأنَّهُ العليُّ الأعْلى، وتارةً بأنَّ الملائكةَ تعْرجُ إليهِ، وتارةً بأنَّ الأعْمالَ الصَّالحةَ ترْفعُ إليهِ، وتارةً بأنَّ الملائكةَ في نزولها مِنَ العلوِّ إلى أسفلَ تنْزلُ منْ عندهِ، وتارةً بأنَّهُ رفيعُ الدرجاتِ، وتارةً بأنَّهُ في السَّماءِ، وتارةً بأنَّ الكتابَ نزلَ منْ عنْدهِ، وأضْعافُ ذلكَ ممَّا إذا سمعهُ المعطِّلةُ سَبَّحوا اللهَ ونزَّهوهُ جحودًا وإنْكارًا لا إيمانًا وتصديقًا، فما ضحكَ منهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تعجُّبًا وتصْديقًا لقائلهِ يعبسُ منهُ هؤلاءِ إنْكارًا وتكْذيبًا، وما شهدَ لقائلهِ بالإيمانِ شهدَ هؤلاءِ لهُ بالكفرِ والضَّلالِ، وما أطْلقهُ على ربِّهِ يطْلقُ عليهِ هؤلاءِ ضِدَّهُ ونقيضَهُ، وما نزَّهَ ربَّهُ عنهُ مِنَ العيوبِ والنَّقائصِ يمسكونَ عنْ تنزيههِ عنهُ - وإن اعْتقدوا أنَّه منزَّهٌ عنهُ - ويبالغونَ في تنزيههِ عنْ ما وصفَ به نفسَهُ، فتراهم يبالغونَ أعْظمَ المبالغةِ في تنْزيههِ عنْ علوِّهِ على خلقهِ، واسْتوائهِ على عرشهِ، وتكلُّمهِ بالقرآنِ حقيقةً، ما لا يبالغونَ مثلهُ ولا قريبًا منهُ في تنْزيههِ عَنِ الظُّلمِ والعيبِ.